بقلم تارة فراس التميمي
يعد القطاع الصحي من أهم القطاعات والذي يجب على الدولة أن تعمل وبشكل دائم على تحسين جودته وتنظيمه بشكل أكثر فاعلية وكفاءة، إذ أن الصحة هيّ من مقومات العيش واستمرارية الحياة، وقد كفل القانون العراقي الحماية الكاملة لصحة الفرد من خلال إيراده لمجموعة واسعة من التشريعات التي من شأنها أن تضمن للفرد ما يحمي صحته وما يذود به عن المخاطر المحدقة.
لكن في ظل الاختلال الأمني وارتخاء المنافذ الحدودية وغياب دور الرقابة الفعلية من قبل الجهات المسؤولة، تتنشط الجرائم التي تزعزع الثقة بالقطاع الصحي والأدوية المُروجة والمُباعة، حتى أضحت جريمة تهريب الأدوية وبيعها من الجرائم الأكثر رواجًا في الوقت الراهن، إذ أن النقص الذي تعانيه المستشفيات والكوادر الطبية في العراق، وارتفاع الأسعار، وصعوبة الحصول على بعض الأدوية، كلها أسباب دفعت إلى اللجوء إلى استيراد الأدوية غير المرخصة أو الرديئة أو التالفة أو منتهية الصلاحية أو غير المفحوصة، وغير المطابقة لمعايير الدساتير الطبية، ناهيك عن آلاف الأدوية التي تُباع في الصيدليات تحت ذريعة "نفس العلاج بس من غير شركة"، ليتبين لاحقًا أن الدواء ليس هو ذاته المقصود.
قنّنت العديد من التشريعات والتعليمات المحلية، عملية استيراد الأدوية وحددت معايير للاستيراد وضوابط معينة لتداول الأدوية وقبولها وبيعها وصناعتها واشترطت فحصها بايولوجيًا وكيمياويًا وفيزياويًا، ومن أبرز تلك التشريعات هو قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم (٤٠) لسنة ١٩٧٠ الذي رسم الإطار القانوني للاستيراد، إذ نصت المادة (٣٤) منه على :"١ – يكون استيراد الادوية والمستحضرات الطبية الخاصة حسب احكام قانون المؤسسة العامة للادوية.
٢ - لا تسجل المستحضرات الطبية الخاصة المراد استيرادها الا اذا كان طلب التسجيل مقدما من قبل المؤسسة العامة للادوية او من قبل صيدلي".
بينما حددت المادة (٣٩) منه الشروط القانونية للاستيراد :" لا يجوز استيراد مستحضر او عرضه للبيع أو حيازته إلا إذا كان :
١ – مسجلا في سجلات الوزارة وكان من المستحضرات الخاصة.
٢ – زجاجه معقما ومتعادلا وفقا لشروط الدساتير الطبية اذا كان من المحاليل المعدة للزرق.
٣ – محفوظا في غلافات معدة للبيع محكمة السد.
٤ – متداولا في بلد المنشأ على ان يؤيد ذلك بشهادة رسمية من قبل المراجع الصحية المسؤولة فيه ومصدقة من الجهات المختصة".
كما أوكلت المادة (٣٨) لوزير الصحة مهام إتلاف المواد المستوردة أو مصادرتها، إذ نصت على:" ١- إذا أظهر التحليل أن المستحضرات الدستورية المصنوعة في العراق أو المستوردة من الخارج غير مستوفية للشروط والأوصاف التي نص عليها الدستور الذي استحضرت بموجبه فعلى الوزير أن يقرر مصادرتها واتلافها.
٢- إذا أظهر التحليل أن المستحضرات الخاصة المصنوعة في العراق او المستوردة من الخارج غير مستوفية للشروط والأوصاف التي تم تسجيلها بموجبها فللوزير أن يقرر مصادرتها وإتلافها كما ان له ان يقرر اعادة تصديرها على نفقة المستورد إذا كان ذلك ممكنا دون محاذير".
وخولت الفقرة الثالثة من المادة ذاتها الوزير بمنع استيراد الأدوية غير المطابقة للمعايير الدستورية، إذ نصت على:" للوزير ان يقرر منع استيراد الادوية والعقاقير من المعامل التي يظهر التحليل أن مستحضراتها لم تستوف الشروط والأوصاف التي تطلبها الدساتير او الشروط والأوصاف التي تم تسجيلها بموجبها أو عدم توفر الكفاءة فيها".
يكمن عمق المشكلة في الأدوية المُصنعة محليًا، فهيّ لا تُغطي إحتياج المرضى ولا تعمل بشكل فاعل في توفير البيئة الصحية الملائمة والرعاية اللازمة لا سيما في مواجهة الأمراض الخطيرة والمزمنة، فالأزمة الهائلة في الصنع المحلي ساهمت وبشكل مباشر بسلك الطرق غير القانونية لاستحصال الأدوية واستيرادها، حتى أصبح مستورديها وبائعيها ومروجيها ومستهلكيها لا يرون في فعلهم الإجرامي أية مشكلة أخلاقية أو مخالفة قانونية، لان الحاجة فاقت المبدأ المهني والأخلاقي والضرورات تُبيح المحظورات.
وبالرغم من أن التشريعات جاءت مسهبة ودقيقة في حمايتها لصحة الفرد وضمان سلامته رغم ضعف الجانب العقابي فيها، وبالرغم من جهود بعض الجهات الأمنية والأجهزة الرقابية في إحباط وضبط عدد من عمليات التهريب، تبقى الأزمة متفاقمة ومتدفقة والحلول واهنة في ظل استمرار الأسباب الدافعة لارتكاب مثل هذه الجريمة، كيد نملةٍ تقاوم سحقة فيل، حيث أن في مثل هذه القضية الكبيرة تكون معالجة السبب أهم من تفادي النتيجة.