قانون غزو لاهاي – عائق امام تحقيق العدالة الجنائية؟

 بقلم: روان بشار حاتم

العدالة الجنائية هي مبدأ قانوني وأخلاقي يسعى الى تحقيق التوازن بين حقوق الافراد وامن المجتمع فالعدالة سابقة على وجود القانون ونشأته فهي شعور انساني أخلاقي ولها عدة ابعاد تتمثل في العدالة القانونية، العدالة الإجرائية والعدالة التعويضية ومن التحديات التي تواجه تحقيق العدالة الجنائية هو التمييز او التحيز في تطبيق القوانين فما هي الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة لتشريع هذا القانون؟ وما هي اهم الخطوات التي اتخذتها وكيف تؤثر على المحكمة الجنائية الدولية بشكل خاص والقانون الدولي بشكل عام ؟ و اخيراً كيف يشكل قانون غزو لاهاي عائقاً امام تحقيق العدالة الجنائية ؟   


قانون حماية افراد الخدمة الأمريكية American Service members' Protection Act او كما يطلق عليه بقانون غزو لاهاي، اكتسب هذا القانون المثير للجدل هذه التسمية من خلال البند الثامن منه و الذي ينص على سلطة الولايات المتحدة في اطلاق سراح افراد القوات التابعين لها و المحتجزين لدى المحكمة و لها ان تستخدم (جميع الوسائل اللازمة ) من اجل تحقيق ذلك فما هي الوسائل اللازمة  التي يمكن تصورها غير الهجوم على مقر المحكمة في مدينة لاهاي الهولندية ؟!

ترجع أسباب صدور هذا القانون الى نشأة المحكمة الجنائية الدولية بموجب ميثاق روما لسنة  2002و قد تم اعتماد النظام الأساسي 120 صوتاً لصالحه مقابل 7 أصوات ضده، وامتناع 21 دولة عن التصويت. وصوتت الولايات المتحدة ضد التبني النهائي لنظام روما الأساسي حيث ادركت انها لن تستطيع التحكم في قرارات المحكمة الجنائية الدولية اذا ما طالبت التحقيق في مسألة يكون احد أطرافها فرداً من القوات الامريكية و انها لن تصبح قادرة على تعطيل الأمر عن طريق استخدام  حق النقض الفيتو في وجه المحكمة مما يجعلها في قدم المساواة مع بقية الدول وهو ما لا تسطيع الولايات المتحدة ان تقبله                                

و من اول الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة هي سحب توقيعها من الاتفاقية المنشئة لنظام روما في 6 مايو-2002 و بررت هذا الانسحاب بأن المحكمة سوف تعيق حربها ضد الارهاب من جهة و انها تريد حماية مواطنيها العاملين في قوات حفظ السلام التابعة لأمم المتحدة من جهة أخرى. 

و قد سعت الولايات المتحدة الى ابرام اتفاقيات حصانة ثنائية مع عديد من الدول سواء كانت طرفاً في ميثاق روما ام لا مثل إسرائيل (فلسطين المحتلة)، رومانيا، طاجكستان، الأردن , تيمور الشرقية . مستخدمة بذلك اساليبها الدبلوماسية او التهديد بتعليق المساعدات العسكرية وكان الهدف من ابرام هذه الاتفاقيات هو منح حصانة لإفراد القوات الامريكية. 

ان عقد مثل هذه الاتفاقيات سوف يؤدي الى تفسير نص المادة 98 من نظام المحكمة بشكل يتعارض و المبادئ الأساسية للمحكمة و يتعارض مع روح النص  و التي تنص على :

لا يجوز للمحكمة أن توجه طلب تقديم أو مساعدة يقتضي من الدولة الموجه اليها ان تتصرف على نحو يتنافى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بحصانات الدولة او الحصانة الدبلوماسية لشخص او ممتلكات تابعة لدولة ثالثة ما لم تستطع المحكمة ان تحصل اولاً على تعاون تلك الدولة الثالثة من اجل التنازل عن الحصانة 

لا يجوز للمحكمة أن توجه طلب تقديم يتطلب من الدولة الموجّه إليها الطلب ان تتصرف على نحو لا يتفق مع التزاماتها بموجب اتفاقات دولية تقتضي موافقة الدولة المرسلة كشرط لتقديم شخص تابع لتلك الدولة الى المحكمة , ما لم يكن بوسع المحكمة ان تحصل اولاً على تعاون الدولة المرسِلة لإعطاء موافقتها على التقديم.  

حيث ان الغرض من وضع هذه المادة هو منع التعارض القانوني الذي يحدث بسبب وضع اتفاقيات حصانة  جديدة و بالنظر الى تفسير الولايات المتحدة لنص المادة 98 فأنه يشير الى منح حصانة لمواطنيها من الملاحقة القضائية امام المحكمة الجنائية الدولية. وعلى  افتراض ان  تفسير نص المادة صحيح فلماذا وضع نص الفقرة الأولى من المادة 27 من النظام التي تنص على عدم الاعتداد بالصفة الرسمية: 

  يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية(1)

و بوجه خاص فأن الصفة الرسمية للشخص , سواء كان رئيساً لدولة او حكومة او عضواً في حكومة او برلمان او ممثلاً منتخباً او موظفاً حكومياً , لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي كما انها لا تشكل بحد ذاته سبباً لتخفيف العقوبة.

ان التلاعب بروح نص المادة 98 من ميثاق روما يشكل خرقاً لاتفاقية فينا لقانون المعاهدات التي تنص في المادة 31 منها على : " تفسر المعاهدة بحسن نية طبقاً للمعنى العادي لألفاظ المعاهدة في الاطار الخاص بها و في ضوء موضوعها و الغرض منها "

و بالنسبة الى اخر خطوة اتخذتها الولايات المتحدة هو تشريع قانون حماية افراد الخدمة الامريكية رداً على انشاء المحكمة الجنائية الدولية بموجب ميثاق روما  و قد حد هذا القانون بشكل تام من قدرة الولايات المتحدة على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في القضايا التي تتعارض مع ( المصلحة الوطنية ).

و نتعرض الى مضمون هذا القانون بالإشارة الى اهم ما ورد فيه من بنود :-

البند الرابع: يحظر تعاون المحاكم الامريكية او حكومات الولايات المحلية مع المحكمة الجنائية الدولية وكذلك يحظر على الوكالات الامريكية نقل خطابات التفويض القضائي و يحظر على أي حكومة فيدرالية او ولاية محلية من تسليم نقل أي شخص من الولايات المتحدة الامريكية الى المحكمة و يحظر استخدام أموال الحكومة الامريكية في المساعدة في التحقيق او الاعتقال او المقاضاة او التسليم أي مواطن امريكي او مقيم اجنبي و يحظر تقديم أي نوع من الدعم الى المحكمة الجنائية الدولية. 

و ينص على ان الولايات المتحدة ستمارس حقوقها في الحد من استخدام المساعدة المقدمة بموجب الاتفاقيات و المعاهدات الدولية المختفة من قيل المحكمة الجنائية الدولية. 

ويحظر الأنشطة التحقيقية التي تقوم بها المحكمة على الأراضي الامريكية .

و هذا ما يوضح عدم رغبة الولايات المتحدة بشكل قاطع التعاون مع المحكمة الا في القضايا المتعلقة بالمصلحة الوطنية و التي هي بدورها التي تقرر ما اذا كانت القضايا محققة للمصلحة الوطنية ام لا و في النطاق الذي يخدم مصالحها و ان كان ذلك على حساب بقية الدول 


البند الخامس : يخص القيود المفروضة على مشاركة الولايات المتحدة في عمليات حفظ السلام التابعة لأمم المتحدة حيث نصت على ان سياسة الولايات المتحدة تسعى الى الحصول على اعفاء دائم من المحكمة للقوات الأمريكية في كل تفويض لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة و كذلك تحظر المشاركة في هذه العمليات ما لم يقدم الكونغرس شهادة بشكلية معينة 

أي حتى في الأحوال التي قد ترتكب بها الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي فأن افراد القوات الأمريكية يحصلون على حصانة دائمة 


البند الثامن : سلطة الولايات المتحدة الامريكية لإطلاق سراح افراد القوات المسلحة التابعين لها و تمنح لها سلطة استخدام جميع الوسائل اللازمة و المناسبة و يأذن بتقديم مساعدة القانونية لهؤلاء الأشخاص 

وهو اكثر بند اثير الجدل حولـــــــــــــــــه و منه اكتسب هذا القانون تسميتـــــــــــــه بقانون غزو لاهاي حيـــــــــــــــــــث وضع كلمـــــــــــــــة ( الوسائل اللازمة ) يثير حفيظة المجتمع الدولي ككل فما هي الوسائل اللازمة و هل تشتمل استعمالا للقوة او التهديد باستعمالها وهو الذي يتعارض مع اهداف ميثاق الأمم المتحدة ؟!

بعد الإشارة الى اهم الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة لتشريع هذا القانون و اهم الخطوات التي  اتخذتها لحماية افرادها العاملين في الخدمة العسكرية بالإضافة الى اهم مضامين هذا القانون نستعرض تأثير وجود هذا القانون على تحقيق العدالة الجنائية.

ان وجود مثل هذه القوانين لا يعيق العدالة فحسب بل يضر بالغرض الذي وضع نظام روما من اجله فالجرائم الدولية على اختلاف أنواعها فهي تبلغ حد من الجسامة أدى الى تجريمها دولياً و إقرار مبادئ أساسية مثل عدم التقادم و عدم الاعتداد بالصفة الرسمية كون تلك الجرائم تشكل انتهاكاً خطيراً للامن و السلم الدوليين و تؤدي الى زعزعة الاستقرار الإقليمي و الدولي. 

 قانون غزو لاهاي ومثله من القوانين تؤدي الى نتائج سلبية عديدة مثل الإفلات من العقاب الذي بدوره يؤدي الى انتشار الفساد وانعدام المساءلة خاصة في القضايا المتعلقة بجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الانسان وايضاً تقويض استقلال القضاء و تسييس المحاكم من اجل تحقيق مصالح شخصية بالإضافة الى إعاقة التعاون الدولي في مكافحة الجريمة الدولية و تأثير سلبي على حقوق الضحايا. 


ومن الواضح ان الدول الكبرى تتصرف كما لو انها تعلم بأن القانون الدولي ليس قانوناً بالمعنى الحقيقي ...




المصادر :

القوانين :

النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (ميثاق روما 2002)  

اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969 

قانون حماية افراد الخدمة الامريكية ASPA


المقالات و الكتب 

David J. Scheffer, The United States, and The International Criminal Court, 93 AJIL 12 (1999) 3 H.R. 4654, 106th Cong. (2000)

 Haider Abdulrazaq Hameed, The Hague Invasion Act And International Criminal Justice: The attitude of the united states towards the international criminal court, Journal of Law, Policy and Globalization, ISSN 2224-3240 (Paper) ISSN 2224-3259

Abdul Salam, Dahmani. ‘The Current Challenges of the International Criminal Court under the Domination ofthe UN Security Council.’ Doctoral Dissertation, Mouloud Mammeri University- Tizi Ouzou, 2012.


أحدث أقدم