ان وجود الدولة يتطلب ادارتها، ولكن كيف؟ الجواب بسيط تكون ادارة الدولة اما بشكل مركزي او لا مركزي، اي بمعنى اما اتباع نظام المركزية الادارية او اللامركزية الادارية، فما المقصود بهذين النظامين؟ِ
المركزية الادارية:
والمقصود بها تركيز العمليات الادارية واتخاذ القرار بيد الوزارة الموجودة في العاصمة، اي بمعنى ان الجهات الادارية الموجودة في المحافظات او الاقاليم ليس لها صلاحية اتخاذ قرار، فتحيل الامر الى الوزير المختص في العاصمة.
للمركزية الادارية صورتان، هما التركيز الاداري وعدم التركيز الاداري، فالنوع الاول يعتبر الصورة البدائية الاولى لنظام المركزية وهو كما شرحنا، يقوم على تركيز الاعمال الادارية واتخاذ القرار بيد الوزير المختص في العاصمة، لكن بحكم التطور الحاصل باعمال الدولة، وثقل الاعمال على كاهل الوزير، وتطلب بعض المواضيع اتخاذ قرار فيها، ظهر النوع الثاني من صور المركزية، وهو عدم التركيز الاداري، ففي هذا النوع تخول بعض صلاحيات الوزير الى الموظفين -الذين يمثلون الوزارة في الاقاليم والمحافظات- وهؤلاء الموظفين يختارهم الوزير ويكونون تابعين له بشكل مباشر. ان الاخذ بصورة عدم التركيز الاداري يؤدي الى امرين، اولاهما، يحصل اعادة توزيع في الاختصاصات بين الوزير والموظفين، وثانيهما، تبني قواعد التفويض، اي بمعنى ان الوزير يفوض بعض من اختصاصاته او يفوض توقيعه الى الموظفين -اي يعطي لاحد الموظفين صلاحية التوقيع بدلاً عنه-، وبالطبع يكون التفويض وفقاً لقواعد يحددها القانون، كأن يكون التفويض محدداً -بعمل معين- ومنصوصاً عليه في القانون -اي ان القانون يجيزه صراحة او ضمناً-، وجزئياً -اي بمعنى لا يجوز ان يقوم الوزير بتفويض كل اختصاصاته الى احد الموظفين-.
فمثلاً اذا ما اُريد اتخاذ قرار يتعلق بنقل موظف من دائرة معينة الى اخرى، ففي نظام المركزية -التركيز الاداري- لابد من الحصول على موافقة الوزير المختص في العاصمة، بينما اذا ما كنا بصدد عدم التركيز الاداري فلابد من الحصول على موافقة الموظف المختص الذي اعطيت له هذه الصلاحية -صلاحية الموافقة على نقل الموظفين-.
للمركزية الادارية خصائص:
١- الحصرية: معنى ذلك ان جميع الاختصاصات تكون حصراً ومركزة بيد الوزير في العاصمة.
٢- خضوع الموظفين لنظام السلم الاداري والسلطة الرئاسية، فالمقصود بالاول هو ان لكل موظف وظيفة ادارية خاصة به، والمقصود بالثاني هو خضوع الموظف الادنى درجة للموظف الاعلى درجة، وصولاً الى الوزير الذي يخضع الجميع له.
الاسباب التي دعت الى التخلي عن نظام المركزية:
١- ان الاخذ بنظام المركزية الادارية يؤدي الى تعميق الانفصال بين المواطنين والادارة، لان الادارة ستكون متركزة في العاصمة، فلا تعرف حاجة بقية المواطنين الموجودين في المحافظات او الاقاليم.
٢- بطؤ في اتخاذ القرارات وتنفيذها، لان هذه المسائل تكون متركزة بيد سلطة واحدة.
٣- من الممكن ان تتعسف الادراة في اتخاذها للقرارات، فيؤدي الى وجود نوع من الدكتاتورية.
٤- تركز الادارة كلها في العاصمة يودي -على حد تعبير الفقه- الى وجود نظام ادارة مزدوج في البلد الواحد، ومعنى ذلك، وجود نظام ادارة حديث في العاصمة واخر متخلف في المحافظات والاقاليم.
اللامركزية الادارية:
ظهر هذا النظام بعد التطور الحاصل في عمل الدولة وازدياد تعقيداتها وتشعباتها، اضف الى ذلك ادراك الادارة وجود احتياجات محلية في المحافظات والاقاليم تختلف عن تلك الموجودة في العاصمة، الامر الذي حدا بالفقه الى انشاء نظام ادارة جديد يعالج هذه المشاكل، فظهر نظام اللامركزية الادارية.
يقوم هذا النظام على اساس توزيع السلطات بين الوزارة الموجودة في المركز وبين الوكلاء المنتخبين من قبل الشعب في المحافظات والاقاليم، وهذا عكس ما موجود قي نظام المركزية الذي يعمل على تركيز السلطات فقط في العاصمة.
فمثلاً اذا ما اريد اتخاذ قرار يتعلق بتعيين موظف او تثبيته في مركزه لابد من الحصول على قرار من المحافظ.
تتميز اللامركزية الادارية بمجموعة من الخصائص:
١- انها تتخذ القرارات وتنفذها بشكل مستقل عن الادارة المركزية، لكن من حق الادارة فقط الرقابة والاشراف وعلى اعمالها.
٢- انها ترعى المصالح لمحلية التي انتخبت من اجلها.
٣- تحصل سرعة في اتخاذ القرارات وتنفيذها، لان الادارة اللامركزية تكون متفرغة لاتخاذ وتنفيذ القرارات المتعلقة بالمصالح المحلية التي انتخبت من اجلها.
تمييز اللامركزية الادارية عن عدم التركيز الاداري في نظام المركزية الادارية:
قد يخيل للبعض ان هناك تشابه بين نظام اللامركزية وصورة عدم التركيز الاداري، لكن في الحقيقة توجد اختلافات بينهم:
١- في عدم التركيز الاداري، عند اتخاذ القرارات فانها تتخذ باسم الادارة المركزية الموجودة في العاصمة، بينما في اللامركزية الادارية، فانها تتخذ باسم الادارة اللامركزية الموجودة في المحافظات او الاقاليم.
٢- في عدم التركيز الاداري، هناك ارتباط مباشر بين الموظفين الموجودين في المحافظات او الاقاليم والرؤساء في العاصمة، بينما في اللامركزية الادارية، ليس هناك اي ارتباط مباشر بينهم.
٣- في عدم التركيز الاداري، لا يوجد استقلال للهيئات الادارية، بينما في اللامركزية يوجد استقلال لهذه الهيئات في مواجهة السلطة المركزية.
ما اخذ به العراق:
لمعرفة النظام الاداري في العراق لابد ان نميز في الفترة ما قبل ٢٠٠٣ وما بعدها، ففي الفترة التي سبقت ٢٠٠٣، نلاحظ ان العراق ومن الناحية العملية اخذ بنظام المركزية الادارية، حيث كانت جميع السلطات متركزة في يد رئيس الدولة، هو الذي يتخذ القرارات ويتولى الموظفين في العاصمة تنفيذها، لكن بالعودة الى النصوص التشريعية، وتحديداً في قانون المحافظات رقم ١٥٩ لسنة ١٩٦٩ المعدل، نلاحظ انه اخذ بنظام ادارة لا مركزي، فهناك فجوة ما بين النص التشريعي والواقع العملي.
لكن الوضع بعد ٢٠٠٣ اختلف، حيث اخذ العراق بنظام ادارة لا مركزي فعلي، اي تطابق النص التشريعي في قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم ٢١ لسنة ٢٠٠٨ المعدل مع الواقع العملي، حيث تم انتخاب مجالس محافظات ومحافظين يقومون بادارة المحافظات غير المنتظمة في اقليم -اما بالنسبة للاقليم، فنلاحظ بان العراق اخذ بالنظام الفدرالي مما يعني وجود قوانين ودستور على مستوى العراق واخرى على مستوى الاقليم، وقد اخذ اقليم كردستان كذلك بنظام اللامركزية الادارية في ادارة محافظاته، وفقاً لقانون المحافظات لاقليم كردستان- العراق رقم ٣ لسنة ٢٠٠٩-.