في كل دولة تتولى السلطة التشريعية -متمثلة بالبرلمانات غالباً- مهمة تشريع القوانين، وهذه القوانين يجب ان تصدر وفقاً للشروط الشكلية والموضوعية التي حددها الدستور، والاصل ان تصدر القوانين وفقاً للدستور، اما الاستثناء هو قيام البرلمان باصدار تشريعات خلافاً للشروط الشكلية او الموضوعية التي وضعها الدستور، كأن تصدر تشريعات تخل بالحقوق التي كفلها الدستور او خلافاً للاجراءات التي رسمها الدستور مثل صدور التشريع دون الحصول على الاغلبية المطلوبة، ففي هذه الحالة كيف سنعالج الخروقات الدستورية التي حصلت؟ ومن يتولى هذه العملية؟
بداية تعرف الرقابة على دستورية القوانين بأنها التأكد من مدى ملائمة التشريعات التي
تصدر عن السلطة التشريعية او التنفيذية للدستور، اي بمعنى يجب ان تكون هذه
التشريعات متوالمة مع الدستور لا تخرق الحقوق او الحريات التي كفلها او تخل
بالاجراءات التي وضعها لصدور القوانين. يعزى سبب وجود الرقابة الى التأكد
من عدم انحراف السلطة التشريعية او التنفيذية عن القيام بعملهم، او قيامهم باصدار
قوانين ولوائح تتمشاى مع مصالحهم الشخصية لا مع مصالح الشعب.
في الغالب تمارس هذه الرقابة من قبل هيئة دستورية ينص عليها في متن الدستور وتكون مهمتها الاساسية التأكد من دستورية القوانين، تختلف تسمية هذه المؤسسة من دولة الى اخرى الا انها تتفق في الوظيفة الاساسية، فمثلاً تسمى في العراق بالمحكمة الاتحادية العليا، وفي فرنسا بالمجلس الدستوري، وفي الولايات المتحدة بالمحكمة العليا، وفي مصر المحكمة الدستورية العليا.
تقسم الرقابة بحسب الجهة التي تمارسها الى رقابة سياسية وقضائية، وتقسم بحسب
وقت ممارستها الى رقابة سابقة ولاحقة، وكالاتي:
1- الرقابة
السياسية: والمقصود
بها ممارستها من قبل هيئة سياسية يتم تعيينها وفقاً للشكل الذي حدده الدستور،
وتسمى سياسية لان الاعتبارات السياسية تلعب دوراً فيها، فنلاحظ ان فرنسا اخذت بهذا
النوع من الرقابة، حيث نص الدستور على تشكيل المجلس الدستوري تناط به مهمة الرقابة
على دستورية القوانين، ويتكون من نوعين من الاعضاء، الاول هم جميع رؤساء الجمهورية
السابقون والثاني تسعة اعضاء يعينهم رئيس الجمهورية، ومن خلال ما تقدم نلاحظ ان
الاعضاء جميعهم سياسيين وبالتالي فان الاعتبارات السياسية تلعب دوراً.
2- الرقابة
القضائية: وهنا تناط
مهمة الرقابة بهيئة قضائية تشكل وفقاً للشكل الذي رسمه الدستور، ويكون اعضاؤها من
القضاة لضمان الحيادية والاستقلالية، اخذت العديد من الدول بهذا النوع من الرقابة،
مثل الولايات المتحدة، حيث نص دستورها على تشكيل محكمة تسمى بالمحكمة العيا،
مهمتها الرقابة على دستورية القوانين زيكون اعضاؤها من القضاة.
3- الرقابة
السابقة: وهذه
الرقابة تمارس قبل صدور القانون ودخوله حيز النفاذ، وتسمى كذلك بالرقابة الوقائية
لانها تمنع القانون الادنى من مخالفة القانون الاعلى -الدستور- وبالتالي لا تخل
بعلوية الدستور على بقية القوانين، كذلك ان الاخذ بالرقابة السابقة يمنع من
ممارستها بعد صدور القانون ودخوله حيز النفاذ.
4- الرقابة
اللاحقة: وهنا تمارس
الرقابة بعد صدور القانون ودخوله حيز النفاذ، وبالتالي يحق للافراد والجهات التي
سمح لهم القانون بالطعن بدستورية قانون ما امام الجهة المختصة التي قد تكون هيئة
سياسية او قضائية.
ومن الممكن جداً ان يحصل دمج بين هذه الرقابات، بمعنى ان تكون هناك رقابة سياسية لاحقة او سابقة، او قد تكون هناك رقابة قضائية لاحقة او سابقة، على سبيل المثال، اخذا فرنسا بالرقابة السياسية السابقة، واخذت الولايات المتحدة بالرقابة القضائية اللاحقة.
ان الاثر المترتب على مخالفة القانون للدستور لا يعدو عن واحد من اثنين، اما الامتناع
او الالغاء، وكالاتي:
· الرقابة عن طريق الامتناع، والمقصود بها
الامتناع عن تطبيق القانون المطعون به، بمعنى انه بمجرد ما يتقرر عدم دستورية
القانون تمتنع السلطات عن تطبيقه، ولا تقوم الهيئة الدستورية بالغاءه انما تنيط
هذه المهمة بالجهة التي اصدرت القانون، فهي -الجهة التي اصدرته- تقوم بالغاءه.
· الرقابة عن طريق الالغاء، وهنا تقوم المحكمة
بالغاء القانون المطعون به لعدم دستورية، وهي على عكس النوع الاول لا تنتظر الجهة
التي اصدرته لتقوم بالغاءه، انما تلغيه من تلقاء نفسها.
الرقابة على دستورية القوانين في العراق:
قد يخيل للبعض ان الرقابة على دستورية القوانين لم تكن موجودة قبل عام 2003 انما وجدت بعده، وفي الحقيقة هذا قول خاطئ لان الرقابة كانت موجودة في دستور 1925، ودستور 1967، اما فيما يتعلق بدستور 1970 المؤقت فسكت عن الموضوع، الامر الذي حدا بالفقه الى الانقسام بين من يقول ان السكوت لا يعني عدم وجود رقابة ومن حق المحاكم ان تمتنع عن تطبيق القانون المخالف للدستور، والرأي الاخر قال بان السكوت يعني عدم وجود رقابة ولا يمكن ان تمارس من قبل المحاكم العادية لان الدستور سكت عنها،وبكل الاحوال حتى لو نص الدستور عليها فان النظام في تلك الفترة كان دكتاتورياً، وبعد عام 2003 حصلت العديد من التحولات في العراق كان من ضمنها وجود هيئة دستورية تتولى مهمة الرقابة على دستورية، اوجدها قانون ادارة الدولة لسنة 2004، واكد عليها دستور 2005 -النافذ حالياً-
نص الدستور على تشكيل هذه المحكمة وحدد اختصاصاتها وفقاً للمادة 93 من الدستور، واكد على ان قرارات المحكمة باتة وملزمة لا يجوز الطعن بها بأي حال من الاحوال، لكن ما يعاب على نص المادة 92 من الدستور انها نصت على ان يكون اعضاء المحكمة من القضاة وفقهاء القانون وخبراء في الفقه الاسلامي، ونص على ان طريقة اختيارهم تحدد وفقاً لقانون يسن باغلبية الثلثين، ويؤخذ على النص الدستوري عدة مآخذ، الاول انه لم يقصر العضوية في المحكمة على فقهاء القانون انما شمل الخبراء في الفقه الاسلامي، فكان من الاجدر ان تقتصر العضوية على الخبراء في القانون -سواء قضاة ام محامين ام اساتذة- وعدم اقحام رجال الدين تحت مسمى -خبراء في الفقه الاسلامي- لان المحكمة ذات طبيعة قانونية وليست قانونية-دينية. الامر الثاني، هو احالة تنظيم عمل المحكمة الى القانون العادي -الصادر من مجلس النواب- الامر الذي يؤدي الى تدخل الاعتبارات السياسية في تشريع القانون، والامر الثالث هو عدم تحديد الدستور لعدد اعضاء المحكمة وترك هذه المسألة كذلك للمشرع العادي، كذلك لم يشر الدستور الى الاثر المترتب على عدم دستورية قانون ما، هل يتم الغاءه من قبل المحكمة ام يمتنع عن تطبيقه.
وفي عام 2021 حصل تعديل لقانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005، حيث نص القانون ان اعضاء المحكمة يكونون من القضاة ولم يشر الى خبراء الفقه الاسلامي او خبراء القانون كما ذكر الدستور، وبالتالي وقع المشرع في مخالفة دستورية واضحة.