المقصود بوسائل اسناد السلطة هي الكيفية التي حصل بها شخص ما على السلطة في البلد، اي بمعنى كيف وصل الحاكم الى الحكم وقبض على السلطة، في الحقيقة تتعدد هذه الطرق وتتنوع، مرد هذا التنوع يرجع الى التطور الحاصل في المجتمعات، فكلما كان المجتمع مثقفاً وواعياً كان الحصول على السلطة يتم بصورة سلمية، وبالعكس كلما كان المجتمع متخلفاً كانت الوسيلة الوحيدة للوصول الى الحكم تتم بطرق غير سلمية.
1- الوراثة:
تعتبر الوراثة من أقدم طرق اسناد السلطة،
والمقصود بها انتفال العرش من السلف الى الخلف، اي انتقال العرش -عند وفاة او
تنازل الحاكم- الى أحد ابناءه -في الغالب يكون وريث العرش-، في الحقيقة ان ما عزز
من شرعية هذه الوسيلة هي النظريات التيوقراطية (النظريات الدينية)، اي ارجاع
السلطة الى الارادة الالهية، اي بمعنى ان الله هو من اختار هذا الشخص للوصول الى
الحكم او ان الله هو من مهد الطريق لوصول شخص معين الى سدة الحكم.
ان اسلوب الوراثة الذي نعرفه في الوقت الحالي
-ايلولة العرش الى أكبر الابناء-، لم يكن كذلك في بدايته، ففي البداية كان العرش
يقسم بين الورثة اي بمعنى ان الدولة تقسم بين ابناء الملك، كما حصل في
الامبراطورية الجرمانية المقدسة، فبعد وفاة الملك شارل الكبير قسمت الدولة بين
ورثته، كذلك ما حصل بعد وفاة صلاح الدين الايوبي ايضاً قسمت الدولة بين ورثته.
بعدها تم التخلي عن هذا الاسلوب، اي بمعنى ان
الدولة لم تعد تقسم بين الورثة، انما تؤول الى أحد الورثة، لكن هل تؤول الى اكبر
الورثة بغض النظر عن كونه ذكر ام انثى؟ الجواب كلا، حيث كان العرش يؤول الى اكبر الابناء
الذكور دون الاناث، وكان العمل بهذا النوع من الوراثة هو الغالب، الا انه بفعل
التطور الحاصل في الافكار وظهور مبدأ المساواة بين الجنسين تم الغاء العمل به،
فنلاحظ بان السويد على سبيل المثال قامت بأجراء تعديل على نظام الوراثة عام 1980
وجعلت الابن الاكبر بغض النظر عن جنسه هو من يرث العرش.
ان نظام الوراثة لم يكن متبعاً فقط في وراثة
العرش، انما في وراثة المناصب كذلك، فمثلاً في مجلس اللوردات هناك بعض المقاعد
التي تنتقل عن طريق الوراثة.
ان نظام الوراثة على حد تعبير الفقه في
انحسار مستمر، بسبب انتشار الانظمة الجمهورية، كذلك ان الدول التي تأخذ بنظام
الوراثة لم تعد السلطة الفعلية فيها بيد الملك انما بيد البرلمان، كما هو الحال في
بريطانيا، فان وجود الملك مجرد وجود رمزي وحتى الصلاحيات التي تعطى له فهي صلاحيات
شرفية لا اكثر ولا اقل لان الحكم كله يكون بيد البرلمان الذي ينتخبه الشعب.
2- الاختيار الذاتي:
في هذه الطريقة يقوم الحاكم باختيار من
سيخلفه، ويكون الاختيار بإحدى الطريقتين:
الاولى: ان يقوم الحاكم بالاختيار الفردي، اي
ان يقوم بمفرده باختيار من سيخلفه -بغض النظر عما اذا كان من سيخلفه هو ابنه ام
لا-، قد يكون الاختيار غير معلق على شرط، اي بمعنى ان بمجرد اختيار من سيحكم يصبح
هو الحاكم، وقد يكون الاختيار معلق على شرط، كما حصل في الامبراطورية الرومانية
حيث كان الحاكم يختار من سيخلفه لكن الاختيار يكون معلف على موافقة مجلس الشيوخ.
والثانية: تكون بالاختيار الجماعي، اي بمعنى
من يتولى الحكم تكون هيئة مكونة من الجماعة، هي من تختار من سيتولى الحكم، واخذ
الاتحاد السوفيتي بهذه الطريقة، اما التطبيق الحديث لهذه الطريقة موجود في
الولايات المتحدة الاميركية، حيث يقوم الحزبان -الجمهوري والديمقراطي- باختيار
مرشح لكل منهم ويقوم الناخبون بانتخاب أحدهم.
3- القوة:
والمقصود بها الحصول على السلطة عن طريق
العنف، بطريقة تختلف عما رسمه الدستور وتبتعد عن الطرق الديمقراطية والسلمية بشكل
كبير، تؤدي هذه الطريقة -في غالب الاحيان- الى ازهاق الدماء وزعزعة استقرار
البلاد، تتمثل اما بالحصول على السلطة عن طريق الثورة او الانقلاب، فما الفرق
بينهم؟
§ من حيث القائمين بها: نلاحظ بان الثورة يقوم
بها الشعب بينما الانقلاب يقوم به اشخاص من الهيئة الحاكمة.
§ من حيث التغيير: الثورة تحصل ويكون هدفها
التغيير والتطور في شتى المجالات بينما الانقلاب لا يهدف الى ذلك ويكون الغرض منه
الحصول على السلطة فقط -قد تحدث تغييرات لكنها ليست بالمستوى الذي يطمح له الشعب-.
§ من حيث الشرعية: الثورة تكون لها شرعية على
اعتبار ان من يقوم بها الشعب والشعب مصدر السلطات ومصدر شرعيتها، بينما الانقلاب
لا تضفي له الشرعية الا إذا وافق الشعب على السلطة الجديدة.
4-
الانتخاب:
ويعني قيام
الشعب باختيار من يباشر السلطة باسمه ونيابة عنه، يعتبر الانتخاب مظهر من مظاهر الديمقراطية
-التي تعني حكم الشعب بواسطة الشعب ولخدمة الشعب- والتطور والنضج السياسي والثقافي
والاجتماعي في الدولة، لكن عملية الانتخاب بمفهومها الذي نعرفه لم تكن كذلك
سابقاً، فكيف كانت اذاً؟
قبل الخوض في
التطور التاريخي للانتخاب لابد من الاشارة الى ان الانتخاب يتم اعتماده في الدول
الديمقراطية، وبالتالي تطور الانتخاب بتطور الديمقراطية، وكالاتي:
§ في ضوء الديمقراطية المباشرة، لم يكن
للانتخاب وجود على اعتبار ان الشعب يقوم بحكم نفسه دون الحاجة الى وكيل عنه او من
يمثله في المجالس.
§ في ضوء الديمقراطية النيابية، نلاحظ بأن
الانتخاب يظهر بصورة جلية، حيث يقوم الشعب باختيار من يمثله في المجالس
والبرلمانات ويتخذ هؤلاء -ممثلي الشعب- القرارات بإسم الشعب ونيابة عنهم.
§ الديمقراطية شبه المباشرة، نلاحظ بأن
الانتخاب يكون موجوداً فيها اي ان الشعب ينتخب من ينوب عنه في المجالس، لكن هؤلاء
المنتخبين لا يستطيعون اتخاذ جميع القرارات، فلابد من العودة الى
الشعب في بعض المسائل التي ينص عليها الدستور او القانون.
اما اسباب
ظهور الانتخاب فإنها عديدة، نذكر منها الاتي:
1.كبر اقليم الدولة واتساعه، فلا يستطيع جميع
المواطنين الحضور في الوقت المناسب للاجتماع واتخاذ القرار.
2. ازدياد اعداد المواطنين، يؤدي الى صعوبة
جمعهم وحضورهم في مكان واحد واتفاقهم على قرار معين.
3.لا يستطيع جميع المواطنين القيام بعملية
التشريع والتنفيذ والقضاء.
4. إزدياد أ‘مال الدولة وتشعبها وتعقيدها.