النطاق المكاني للقانون الدولي الانساني

قبل الحديث عن النطاق المكاني للقانون الدولي الانساني،
لابد من معرفة ما هو هذا القانون؟

في الحقيقة اختلف الفقه في تعريف القانون الدولي الانساني، فقسم منهم عرفوه بالمعنى الواسع وقالوا (بانه مجموعة القواعد القانونية والعرفية التي تكفل احترام الفرد ورفاهيته) وسمي تعريفاً بالمعنى الواسع لانه سيطبق في وقت الحرب والسلم، مثل الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية1966، ويشمل القوانين المطبقة في وقت الحرب مثل اتفاقية لاهاي لعامي 1899و1907 واتفاقيات جنيف الاربع لعام  1949 والبروتوكولين الملحقين بها لعام 1977، اما بالنسبة لتعريفه بالمعنى الضيق (فانه مجموعة القواعد القانونية العرفية والمكتوبة المطبقة وقت الحرب فقط) ونلاحظ بأنه تعريف ضيق لانه ضيَّق من نطاق القانون وقصره في وقت الحرب فقط، وتم اعتماد هذا التعريف من قبل اللجنة الدولية للصليب الاحمر.[1]

من الممكن ان يسمى القانون الدولي الانساني بقانون الحرب، لانه مطبق في وقت الحرب فقط، الا ان التسمية العالمية له والادق في الحقيقة هي القانون الدولي الانساني، والسبب هو لاسباغ الصفة الانسانية على قانون النزاعات المسلحة وللتاكيد على حق الانسان حتى في حالة النزاع المسلح.[2]

نلاحظ من التعاريف السابقة، ان خصائص القانون الدولي الانساني هي ما يأتي:[3]

1-    انه فرع من فروع القانون الدولي العام

2-    يهدف الى حماية الانسان في وقت الحرب

3-    مصادره هي نفسها مصادر القانون الدولي العام، اي المعاهدات الدولية، العرف، مبادئ القانون الدولي احكام المحاكم واراء الفقهاء.

4-    يبدأ بمجرد وقوع النزاع العسكري، اي بمجرد اعلان حالة الحرب او وقوع النزاع المسلح يجب تطبيق هذا القانون.

5-    قواعده امرة، بمعنى انه يجب تطبيق، ويترتب على عدم التطبيق وقوع الجزاء.

وقبل الدخول في النطاق المكاني للقانون، لابد من التأكيد على امرين:

1-    ان القانون لا يتم تطبيقه فقط بوقوع الحرب انما في اي نزاع مسلح سواء كان دولي ام لا، ومن الجدير بالذكر ان هناك محدودية في تطبيق هذا القانون في النزاعات المسلحة غير الدولية، ويعزى هذا الامر الى قلة تفصيل قواعد القانون المتعلقة بالنزاعات غير الدولية، ووجود مبدأ السيادة.

2-    يجب التفرقة بين وجود القانون وفاعليته، بمعنى ان القانون قبل وقوع الحرب يكون موجود الا انه غير مفعّل لانه قانون حرب ونزاعات مسلحة كما ذكرنا، لكن عند نشوب النزاع المسلح او الحرب يتم تطبيقه ويدخل حيز النفاذ.

ان لكل قانون نطاق زماني اي ما هو الوقت الذي يطبق به هذا القانون، وايضاً نطاق مكاني اي مكان التطبيق، بحيث عند منطقة معينة لا يتم تطبيقه، وكذلك نطاق شخصي اي تحديد الاشخاص المنضوين تحت هذا القانون والخاضعين له، وفي هذه المقالة نحن بصدد الكلام عن النطاق المكاني لتطبيق القانون الدولي الانساني.

النطاق المكاني للقانون الدولي الانساني:

عند اندلاع الحرب او النزاع المسلح قد يتبادر الى ذهن الاطراف -اطراف الحرب او النزاع- ان لهم الحق في شن الهجمات على جميع الاماكن وتدميرها نكاية بالطرف الاخر، الا ان هذا الامر غير مقبول على اطلاقه، بمعنى ان هناك اماكن محمية بموجب القانون الدولي الانساني، وهذه الاماكن على ثلاثة انواع: الاولى اماكن محمية بسبب طبيعتها الخاصة، والثانية محمية بموجب اتفاق بين الاطراف، والثالثة حماية البيئة. وسنتولى شرح كل نوع بايجاز غير مخل:

1-   اماكن محمية بحكم طبيعتها الخاصة:

نصت الاتفاقيات المندرجة تحت القانون الدولي الانساني على حماية بعض الاعيان لطبيعتها الخاصة، اذ ان تدميرها يشكل اضراراً فادحة للبشر سواء اثناء الحرب او بعد انتهاءها، وتشمل هذه الاماكن، الاماكن الثقافية، الاعيان الضرورية لبقاء السكان المدنيين، وحماية الاشغال الهندسية والمنشآت التي تحتوي على قوة خطرة، وعند تعريف هذه الاماكن سنعرف السبب من حمايتها، وكالاتي:

·       الممتلكات الثقافية: تعرف بأنها كل انواع المنقولات والعقارات التي تمثل اهمية للتراث الثقافي لشعب ما، مثل دور العبادة، المتاحف، الاضرحة الدينية، ومواقع الاثار. وبالتالي تتجلى مظاهر الحماية لها بعدم التعرض، احترام خصوصية هذه الممتلكات، عدم استعمالها لاغراض الحرب مثل اخفاء الاسلحة او اتخاذها قاعدة عسكرية او ما شاكل ذلك، وبمفهوم المخالفة اذا حصلت مثل هكذا افعال -اي اتخاذ الاماكن الثقافية كقاعدة مسلحة- ففي هذه الحالة تفقد الحماية، وتفقدها كذلك اذا اقتضت الضرورة الحربية ذلك بشرط ان يصدر قرار من رئيس الهيئة الحربية ويُبلغ الطرف الاخر بهذا القرار -اي يُبلغ بأن هذا المكان الثقافي سيتم قصفه لضرورة حربية.

·       الاعيان الضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة: عرف المادة 54 من البروتوكول الاضافي الاول لعام 1977 هذه الاعيان (المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها واشغال الري) ومن الواضح اهمية هذه المناطق للحماية، حيث ان السكان المدنيين لا علاقة لهم بالحرب، فلماذا يتم تجويعهم او حرمانهم من الحد الادنى لمتطلبات المعيشة، فهم لم يتخذوا قرار الحرب، وبسبب اسباغ الصفة الانسانية على قانون الحرب تم حماية هذه الاعيان، ونصت الفقرة 1 من المادة 54 من البروتوكول الاضافي الاول لعام 1977 على الاتي: حظر تجويع المدنيين كأسلوب من اساليب الحرب، وحظر مهاجمة او تدمير او نقل او تعطيل الاعيان الضرورية لبقاء السكان المدنيين.

وتنتفي حماية هذه الاعيان باحد الحالتين: اذا استخدم الخصم هذه الاعيان كزاد للقوات المسلحة وحدهم دون المدنيين، او كانت تشكل دعماً للقوات العسكرية.[4]

·       الاشغال الهندسية والمنشآت التي تحتوي قوى خطرة: ويقصد بها الجسور والمحطات النووية ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وما شاكل ذلك[5]، وتتجلى مظاهر الحماية كذلك بعدم مهاجمتها والسبب يعود الى ان المهاجمة تؤدي الى انطلاق قِوى كبيرة تؤدي الى الاضرار بالمدنيين لفترة طويلة، فمثلاً مهاجمة المحطات النووية تؤدي الى تسريب النووي الذي يفتك بالناس لفترات طويلة وحتى قد ينتقل الى دول الجوار، وما يميز مظاهر الحماية لهذه المناشآت -اي الاشغال الهندسية..- انها حتى لو كانت هدف عسكري لا يجوز مهاجمتها للسبب الذي ذكرناه، لكن هذا الامر ليس معناه انها لن تهاجم اطلاقاً، فهي كذلك تفقد مظاهر الحماية عند حصول احد السببين: الاول هو استخدامها على نحو منظم وممنهج وهام ومباشر لدعم العمليات العسكرية، وان يكون الهجوم هو السبيل الوحيد لوقف الدعم للقوات العسكرية.

2-   اماكن محمية بموجب اتفاق:

وهنا تتفق الاطراف المتحاربة على وجود بعض الاماكن التي لا يمكن مهاجمتها، مثل مناطق الاستشفاء، المناطق المحيَّدة والمناطق المجردة من وسائل الدفاع، وسبب الحماية هنا هو ان الاطراف اتفقوا على عدم مهاجمتها واخراجها من نطاق الحرب:

·       منطاق الاستشفاء والامان: هي تلك الاماكن التي تنشأ قبل الحرب او بعدها تقدم الحماية والامان اللازمين لحماية المدنيين، ويلزم توافر مجموعة من الشروط حتى يعتبر المكان مكاناً للاستشفاء، وكالتالي: يجب الا تكون مساحتها كبيرة حتى لا تعرقل الحرب، الا تكون مكتظة بالسكان، تضع علامات دالة عليها، والا تكون قريبة من اي اهداف عسكرية او اهداف هامة او قريبة من سير العمليات العسكرية. وبالتالي يترتب على الموجودين فيها من القيام بأي عمل عسكري، والا تستخدم لاهداف عسكرية او تخدم العمليات العسكرية او العسكريين.[6]

·       المناطق المحيّدة: هي تلك المناطق التي تنشأ بارادة الاطراف المتحاربة او بتوسط من دول او هيئات انسانية، يكن الهدف منها حماية المرضى والجرحى، ويتم انشاء هذه المناطق اثناء قيام النزاع المسلح او الحرب.[7]

·       المناطق المجردة من وسائل الدفاع: ويقصد بها المناطق الخالية من اي وسيلة دفاعية، او فيها وسائل دفاعية الا انها غير مفعلة او معطلة، ولا يجري فيها اي نشاط يدعم العمليات العسكرية، وسبب الحماية هو خلو هذه المناطق من اي نشاط يدعم العمليات العسكرية فلماذا يتم مهاجمتها.[8]

مع ملاحظ ان هذه الاماكن عند انشاءها لابد من تبليغ الطرف الاخر بها.

3-   حماية البيئة:

لما كانت العمليات العسكرية تؤدي الى ضرر واسع بالبيئة فوجب حمايتها، فتوجد العديد من الاتفاقيات التي حمت البيئة بشكل مباشر، مثل اتفاقية حظر استخدام تقنيات التغيير لاغراض عسكرية او لأي اغراض عدائية اخرى 1976، والبروتوكول الاضافي الاول لعام 1977 في المادة 35 و 55، و توجد كذلك اتفاقيات قدمت الحماية للبيئة لكن بشكل غير مباشر مثل اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح لعام 1954 ونظام روما (النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية) 1998 في المادة 8/2/ب/5، ومن الجدير بالذكر ان حماية البيئة هي حماية للسكان على اعتبار ان البيئة هي تراث مشترك وليست ملكاً لاحد وللجميع الحق في العيش في بيئة سليمة خالية من عمليات التخريب او التلوث.



[1] القانون الدولي الانساني، علي زعلان نعمة وحيدر كاظم عبد علي ومحمود خليل جعفر، الطبعة الخامسة، دار المسلة، بغداد.

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق.

[4] المصدر السابق.

[5] المواد 15/ 56 من البروتوكولين الاضافيين لعام 1977.

[6] مصدر سبق ذكره

[7] المادة 15من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.

[8] المادة 59 من البروتوكول الاضافي الاول لعام 1977.


أحدث أقدم