الجنائي يوقف المدني...ما هو النطاق؟

 بقلم: نور الهدى فراس

بدايةً، الوقف هو واحد من الإجراءات القضائية والقانونية يتطلب تعليق نظر الدعوى لفترة من الزمن غالباً تكون غير محددة، وعندئذ تتوقف المحكمة عن الإجراءات الواجب اتخاذاها لحين زوال سبب الوقف. والوقف أنواع (القانوني، الاتفاقي، الوقف القضائي) من ضمن هذه الأنواع هو الوقف القانوني والذي يحدث بتوافر أحد الأسباب التي نص عليها القانون حصراً، وعندئذ لا تحتاج المحكمة الى اصدار قرار او حكم يقضي بإيقاف الدعوى الجزائية إذا تعد متوقفة بحكم القانون، وإصدارها لهذا القرار لا يعدو ان يكون كاشفا للواقعة التي وقفت الدعوى المدنية بسببها. 
ومن ضمن الأسباب القانونية لوقف الدعوى هو رد القضاة، ووقف الإجراءات المدنية حتى يتم الفصل في الدعوى الجزائية. وسوف نتكلم عن السبب الاخير باعتبارها موضوع البحث أعلاه، و ما هو نطاق تطبيقها.
تطبق هذه القاعدة في جميع دول القانون المقارن والقوانين الأخرى، ومبنى هذه القاعدة، هو ان على القاضي المدني ان يوقف الإجراءات المتعلقة بالدعوى المدنية وعدم الفصل فيها، الى حين الفصل في الدعوى الجزائية، لسيادة القانون الجنائي على القانون المدني، واعتبار قواعده من النظام العام التي لا يجوز الاتفاق على خلافها، وكذلك لاعتبار مسألة التعويض مسألة اقل خطورة من إدانة شخص لارتكابه فعل يجرمه القانون وايضاً، التزام القاضي المدني بالوقائع التي فصل فيها القاضي الجزائي.
وللأسباب أعلاه يتحتم تطبيق قاعدة (الجنائي يوقف المدني).
لكن ما هو المغزى من تطبيق هذه القاعدة؟
الغرض من تطبيق هذه القاعدة مجموعة أسباب منها، ضمان عدم تأثر القاضي الجزائي بالحكم المدني سواء مادياً او معنوياً، وضمان حياده واستقلاله في الحكم، وكذلك منع التعارض بين الاحكام الصادرة في الدعويين عندما ترفع الدعوى ذاتها لدى محكمتين 
وعليه يشترط لتطبيق القاعدة أعلاه شرطان:
الأول هو اتحاد السبب في الدعوى، بمعنى ان ينشئ فعل ضار او يعاقب عليه القانون الجنائي، أي ان هناك فعل واحد نشا عنه دعوى مدنية ودعوى جزائية، الأول سبب ضرر مادي او معنوي موجب للتعويض والثاني ارتكاب شخص لفعل اجرامي يوجب العقاب عن ذات الفعل الأول. مثال ذلك/ ارتكاب شخص بدهس شخص اخر على الطريق العام، هنا يشكل الفعل جريمة يعاقب عليها القانون وهي "الأذى" وينتج عن الفعل مسؤولية مدنية، والتي توجب التعويض عن الأضرار.
والثاني هو شرط إقامة الدعوى الجزائية قبل او اثناء رفع الدعوى المدنية. 
ولكن ما هو نطاق تطبيق هذه القاعدة؟
تنص القوانين على عدة حالات يوقف الفصل في الدعوى المدنية الى حين الفصل في الدعوى الجزائية، ومنها، عندما يتم الفصل في الدعوى الجزائية ويصدر الحكم فيها بالإدانة او البراءة يكون القاضي ملزم بإتباع هذا الحكم ويقضي في الدعوى المدنية على أساس الحكم الذي صدر في الدعوى الجزائية، بمعنى اذا رفعت دعويين الى القاضي المدني والجزائي وتوقف الحكم في الدعوى المدنية بسبب وجوب الفصل في الدعوى الجزائية وتم الحكم فيها بالإدانة او البراءة، فان التعويض او عدمه الذي كان من المفترض ان يصدر من قبل القاضي المدني، يتوقف على الحكم الجزائي.
وكذلك ترتبط المحكمة المدنية بالقرار الصادر من المحكمة الجزائية فيما يتعلق بثبوت الجريمة، ونسبتها الى فاعلها، والى وقوعها والتي يجب عليها ان تحتاط في ذلك عندما تصدر قرارها الى الحكم الأخير من خلال عدم تناولها لهذه المواضيع الأخيرة عند الحكم؛ لأنها حازت درجة البتات وتعد من النظام العام والتي لها قوة قانونية ملزمة عند الحكم.
مثال ذلك/ عندما يقوم سائق بدهس شخص ويسبب له أضرار، فإذا أصدرت المحكمة الجزائية حكماً يقضي بثبوت الجريمة على المتهم وصحتها، ففي هذه الحالة عند المطالبة بالتعويض عن الاضرار لدى المحكمة المدنية، فإن الأخيرة تقوم فقط بتقدير الأضرار والحكم بمبلغ التعويض، ولا تقوم بالبحث عن الرابطة السببية وهل الفعل منسوب للمتهم وهل أثر على الشخص الذي يطالب بالتعويض ام لا.
ولكن لا تلتزم المحكمة المدنية بالحكم الصادر في الفصل في المسائل التي فصلت فيها المحكمة الجزائية دون ضرورة، ولكنها تلتزم فيها إذا كان فصلها ضرورياً، بمعنى إذا اختارت المحكمة بناءً على سلطتها في الفصل في الدعوى الجزائية في المواضيع التي لا تشكل ضرورة جزائية، فعندئذ لا تلتزم المحكمة المدنية بما تم الفصل فيه، لعدم وجود خطورة او ضرورة جنائية تؤثر على الحكم المدني
هنا يثار التساؤل.. اذن ما هو نطاق التزام القاضي المدني بحجية الحكم الجزائي الذي يوقف الحكم المدني؟
هناك احكام او قرارات يصدرها القاضي الجزائي لا يلزم القاضي المدني بها، او لا يبني عليها حكمه منها: 
1.صدور قرار لإفراج لعدم كفاية الأدلة، فهنا لا يلزم القاضي المدني بالقرار الصادر من القاضي الجزائي، لان قرار الافراج لا يعني ان المتهم غير منسوب الفعل إليه، بل ان الأدلة غير كافية للإدانة ولا يلغي قرار الافراج مسؤولية الفاعل المدني وعندئذ لا يحكم القاضي المدني بالتعويص من عدمه بناءً على قرار القاضي الجزائي، لأنه لا يُلزم به ولا ينفي الواقعة او ارتكابها من قبل الفاعل.
2.صدور حكم عدم المسؤولية على الفاعل، عدم المسؤولية تأتي بسبب وجود مانع من موانع المسؤولية لدى الفاعل، مثل الجنون والاكراه والسكر والتخدير والضرورة وصغر السن، فهده الموانع لا تنفي المسؤولية الجنائية للشخص عن الفعل المرتكب من قبله، لان المانع من مسئوليته وعقابه لا يمنع عن مسئوليته عن الفعل الضار الي احدثه ولا يمنع مسؤوليته المدنية، ولكن الذي يختلف هو من الذي يتحمل هذه المسئولية، ففي هذه الحالات يتحمل الولي والوصي على هؤلاء المسؤولية.
ويجدر الذكر اخيراً، ان هذه القاعدة وتفصيلها يمكن النص عليها في قوانين أصول المحاكمات الجزائية وقوانين التنفيذ والاثبات والمرافعات، ويجب اتباع النص الذي يُذكر في قانون أصول المحاكمات الجزائية، باعتباره القانون الاجرائي المتعلق بالمحاكمات الجزائية ولأنه نص خاص ويقدم على النص العام، ألا وهو قانون المرافعات المدنية، لكن إذا لم يوجد نص يقرر حكم حالة من الحالات في قانون أصول المحاكمات فيطبق النص الموجود في قانون المرافعات، لأنه يعد المرجع في قوانين الإجراءات ويشكل القاعدة العامة للقوانين الأخيرة.
أحدث أقدم