يعرف مبدأ
الفصل بين السلطات بأنه توزيع السلطات على هيئات مختلفة، بحيث تتولى واحدة عملية
التشريع، واخرى عملية التنفيذ، والثالثة عملية القضاء، لكن مبدأ الفصل بين السلطات
الذي نعرفه اليوم لم يكن كذلك قبل مئات السنين، فعند دراسة تاريخ النظم السياسية،
نلاحظ سيطرة الفرد -رئيس الدولة بغض النظر عن تسميته- على السلطة واستئثاره على
جميع السلطات فيها من تشريع وتنفيذ وقضاء وهذا ما يعرف بالنظام الدكتاتوري، ولكن
بازدياد نشاط الدولة واتساع مساحتها وزيادة اعداد السكان وتعقد وظائف الدولة وتداخلها،
اصبح من غير الممكن قيام فرد واحد بممارسة جميع هذه الوظائف، الامر الذي حدا
بالفقه الى توزيع هذه الوظائف على هيئات.
ان اول من
نادى بهذا المبدأ هم الفقهاء الاغريق وعلى رأسهم افلاطون وارسطو، حيث نادوا بضرورة
توزيع وظائف الدولة على مجموعة من الهيئات بحيث تتولى كل واحدة منهم وظيفة معينة
مع وجود رقابة لكل منهم على الاخرى حتى لا تستبد احدى السلطات وتخرج عن نطاق عملها
الامر الذي يعيدنا الى الحكم المطلق مرة اخرى، وعلى الرغم من افلاطون وارسطو نادوا
بضرورة وجود هذا المبدأ الا انهم اختلفوا بأمر واحد وهو ان افلاطون كان يميل الى
مبدأ التدرج -اي تدرج السلطات- بحيث تكون واحدة من السلطات اعلى من البقية، كذلك
نادى الفقهاء في العصر الحديث بضرورة وجود هذا المبدأ مثل لوك ومونتسيكو، تأثرت
العديد من الدساتير بهذا المبدأ، الا انها تباينت في التطبيق فنلاحظ ان الدول التي
طبقت هذا المبدأ وكان الفصل بين السلطات مرناً كان نظامها برلمانياً، وان كان
الفصل شبه مطلق، كان النظام رئاسياً، وان حصل تركيز للسلطات بيد البرلمان كانت
حكومة الجمعية، وان كان الدستور يخلط بين لنظامين الرئاسي والبرلماني سمي بالنظام
المختلط، وسنتولى شرح كل واحد بايجاز:
1- النظام
البرلماني:
يعتبر النظام
البرلماني هو النظام الامثل الذي طبق مبدا الفصل بين السلطات، حيث وزع السلطات على
الهيئات وفي نفس الوقت اعطى لكل هيئة حق الرقابة على الاخرى واوجد نوعاً من
التعاون والتوازن بينهم، يقوم النظام البرلماني على امرين الاول هو ثنائية
السلطة التنفيذية حيث يوجد رئيس الدولة -بغض النظر عن تسميته سواء كان الملك او الرئيس-
ويوجد كذلك الوزراة وهي محور النظام البرلماني حيث تعمل الوزراة على رسم السياسة
العامة للدولة وادارة شؤونها وتكون الوزراة ممثلة برئيس الوزراء، والامر الثاني هو
التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث يحق للسلطة التشريعية ان تمارس
رقابتها علة السلطة التنفيذية عن طريق عدة وسائل مثل السؤال والاستجواب والتحقيق
البرلماني وسحب الثقة من الوزارة، وفي المقابل تستطيع السلطة التنفيذية ان تمارس
رقابتها علة السلطة التشريعية من خلال حل البرلمان او تأجيل دورات انعقاده او فض
جلساته، وايضاً من مظاهر التعاون بينهم هو اشتراكهم في العملية التشريعية، من
المعلوم ان البرلمان هو من يشرع القوانين، وتقوم السلطة التنفيذية باعداد مشروعات
القوانين، اخذت العديد من الدول بالنظام البرلماني، مثل العراق، هولندا، السويد، لكن خير من طبقه كانت بريطانيا بل ان نشأة
النظام البرلماني كانت فيها.
2- النظام
الرئاسي:
عند سماع
مصطلح النظام الرئاسي فأن اول ما يتبادر الى الذهن هو الولايات المتحدة الاميركية،
لانها من الدول التي طبقت هذا النظام منذ صدور دستورها لعام 1787 النافذ حالياً،
-اخذت دول غير الولايات المتحدة بهذا النظام مثل، البرازيل، المكسيك، وتركيا التي
تحولت من نظام برلماني الى رئاسي- يقوم النظام الرئاسي على اساس الفصل شبه التام
او المطلق بين السلطات، فمثلاً لا يستطيع البرلمان مسائلة الوزراء او رئيس الدولة
ولا يستطيع سحب الثقة من الوزراة، وفي المقابل لا يستطيع رئيس الدولة حل البرلمان
او فض جلساته او تأجيلها، ومع ان واضعي الدستور الاميركي اخذوا بالفصل شبه المطلق
بين السلطات، الا انهم حاولوا وضع بعض الضمانات التي تمنع من تعسف احد السلطات
تجاه الاخرى، وبالتالي ظهر ما يسمة نظرية الرقابة والتوازن (Check And Balances)، وتتمثل بثلاث نقاط:
·
يستطيع رئيس الجمهورية -رئيس الدولة-
الاعتراض على مشروعات القوانين التي تناقش من قبل الكونكرس -مجلس النواب والشيوخ-
الا ان القانون المعترض عليه يمكن ان يمرر ويصادق عليه اذا حصلت موافقة ثلثي اعضاء
المجلسين.
·
هناك بعض القرارات التي يتخذها رئيس
الجمهورية، الا انه ملزم بالحصول على موافقة مجلس الشيوخ، مثل الحصول على موافقتهم
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية او عقد المعاهدات.
·
وجود محكمة تتولى الرقابة على اعمال السلطتين
التشريعية والتنفيذية، والرقابة على دستورية القوانين، تسمى بالمحكمة العليا، وهذه
المحكمة اوجدها التطور الدستوري.
3- نظام حكومة
الجمعية:
يقوم هذا
النظام على تركيز جميع السلطات بيد السلطة التشريعية حيث تتولى هذه السلطة جميع
وظائف الدولة، الا انه بسبب تعقد الوظائف وتشعبها تضطر الى اسناد بعض هذه الوظائف
الى لجنة تنفيذية تتولى تنفيذ القوانين، لم تأخذ العديد من الدول بهذا النظام بسبب
صعوبات تطبيقه، وحالياً طبقته دولة سان مارينو وتعتبر سويسرا من ابرز الدول التي
اخذت بنظام حكومة الجمعية، حيث تقوم الجمعية الاتحادية باختيار اعضاء السلطة
التنفيذية ورسم السياسة الخارجية وعقد المعاهدات واختيار اعضاء المحكمة الاتحادية
وتعيين القائد الاعلى للجيش، الا ان تطبيق سويسرا لهذا النظام يعاب عليه امرين:
·
على الرغم من قيام الجمعية الاتحادية باختيار
اعضاء المجلس الاتحادي -السلطة التنفيذية- الا انها لا تستطيع مسائلتهم، وهذا
يتنافى مع جوهر نظام حكومة الجمعية الذي يقوم على تركيز السلطات بيد السلطة
التشريعية.
·
اختصاصات الجمعية نوعاً ما مقيدة بمظاهر
الديمقراطية غير المباشرة، مثل الاستفتاء على تعديل الدستور او الدخول في منظمات
الامن الجماعي.
4- النظام
المختلط:
يقوم هذا
النظام على الجمع بين خصائص النظام البرلماني والرئاسي، فنلاحظ بانه اوجد ثنائية
السلطة النفيذية لكنه عمل على تقوية دور رئيس لدولة، كذلك اوجد برلمان الا انه عمل
عمل على اضعافه، ومن الدول التي اخذت به هي فرنسا في دستورها لعام 1958 النافذ.
الانتقادات
التي وجهت الى مبدأ الفصل بين السلطات:
على الرغم من
الايجابيات التي جاء بها مبدأ الفصل بين السلطات من توزيع وظائف الدولة والحد من
هيمنة سلطة على اخرى والقضاء على سلطة الفرد المطلقة، الا انه لا يخلو من النقد،
وكالاتي:
·
قال الفقهاء بان توزيع السلطات بين هيئات
متعددة يؤدي الى توزيع مسولية الدول وعدم القدرة على حصرها.
·
ان هذا المبدأ وهمي، فحتى لو تم تطبيقه لن
تلبث احدى السلطات ان تهيمن على البقية.
·
توزيع السلطة يعني ضياع سلطان الدولة وتشتيت
ارادتها.
مبدأ الفصل بين السلطات في العراق:
على عكس بقية
الدساتير العراقية، فان دستور 2005 النافذ حالياً قد نص صراحة على مبدأ الفصل بين
السلطات، كذلك نص على ان العراق دولة برلمانية، ومعنى ذلك ان العراق قد اخذ بالفصل
المرن بين السلطات -كما اخذت بريطانيا- حيث اعطى للسلطة التشريعية حق تشريع
القوانين وحق توجيه السؤال والاستجواب والتحقيق البرلماني وسحب الثقة، واعطى
للسلطة التنفيذية الحق في اعداد مشروعات القوانين وتصديق القوانين التي يقرها
البرلمان ودعوة مجلس النواب للانعقاد، الا انه لم يعطِ حق حل البرلمان للسلطة التنفيذية،
وحتى وان تم حل البرلمان فان السلطة التنفيذية تعد مستقيلة، وبالتالي نلاحظ بأن
العراق اخذ بمبدأ الفصل بين السلطات مع ميل الكفة نحو السلطة التشريعية.