ملخص
بعد صدور دستور 2005 النافذ، اكد في المادة 2/اولاً/أ على ان الاسلام الدين الرسمي للدولة ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام، الا ان ما حصل هو عدم قيام المشرع بيان معنى ثوابت احكام الاسلام هذا من جهة، ومن جهة اخرى لم يقم بالغاء النصوص القانونية المخالفة لاحكام الشريعة، في هذا البحث بينا معنى ثوابت احكام الاسلام وما هي مصادرها ثم استعرضنا النصوص القانونية المخالفة لثوابت احكام الاسلام.
المقدمة
شهد عام 2003 نقلة نوعية في تاريخ
العراق ترتب عليها تغير الحكم من دكتاتورية مطلقة الى ديمقراطية مطلقة، فاصبح
الشعب مصدراً للسلطات يحكم نفسه بنفسه، وفي عام 2005 صوّت الشعب على دستورٍ جديد
يتكون من ديباجة و144 مادة موزعة على 6
ابواب وكالتالي: المبادئ الاساسية، الحقوق والحريات، السلطات الاتحادية، اختصاصات
السلطات الاتحادية، سلطات الاقاليم، واخيراً الاحكام الختامية والانتقالية. يضمن
هذا الدستور حقوق الشعب وحرياته، ويحدد السلطات العامة وصلاحياتها وعلاقاتها
ببعضها البعض، فهو القانون الاعلى في البلاد ولا يجوز مخالفته.
اكد دستور 2005 النافذ، ان الدين
الاسلامي هو الدين الرسمي للدولة، ولا يجوز سن اي قانون يتعارض مع ثوابت احكام
الاسلام، كذلك اكدت المادة 13 من الدستور، ان هذا الدستور يعد القانون الاعلى في
البلاد ويكون ملزماً في انحاءه كافة، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ويعد
باطلاً كل نص يتعارض معه.
من خلال ما تقدم يمكن القول ان اي نص
-سواء كان نص قانون او انظمة وتعليمات- يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام او الدستور
العراقي يعد باطلاً، وان كان هذا الامر واضحاً بالنسبة للدستور فانه ليس كذلك
بالنسبة لثوابت احكام الاسلام، فمثلاً عندما نقول ان قانوناً معيناً يتعارض مع
الدستور يكون الامر واضحاً فيمكن الرجوع الى الدستور لان الدستور واحد وهو دستور
2005 النافذ، لكن اذا قلنا ان قانوناً معيناً يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام،
فالامر لا يكون واضحاً كما في المثال الاول، لان ثوابت احكام الاسلام ليست واضحةً
كوضوح احكام الدستور، في هذه البحث القصير سنحاول التعريف بثوابت احكام الاسلام،
ومدى التزام المشرع في تشريعاته بها.
هيكلية البحث:
تم تقسيم البحث الى مبحثين تناولنا في الاول بيان معنى ثوابت احكام الاسلام ومصادرها، وفي الثاني استعرضنا جزءاً بسيطاً من النصوص القانونية المدنية والجنائية الخالفة لاحكام ثوابت الاسلام، وفي الخاتمة توصلنا الى نتائج وتوصيات.
المبحث الاول: ثوابت احكام الاسلام ومصادرها
لما وضعت ثوابت احكام الاسلام في
الدستور ونُص على عدم جواز مخالفة التشريعات لها، فكان من الافضل ان تُعرف هذه
الثوابت على الاقل، في هذه المبحث سنعرف ثوابت احكام الاسلام، ومن اين تستقى
مصادرها.
المطلب الاول: تعريف ثوابت احكام الاسلام
الثوابت في اللغة هي مفرد لكلمة ثابت اي المستقر، الراسخ، الصحيح، والقول
ثابت في مكانه اي لا يتحرك من مكانه واستقر عليه، ويأتي ثَبت على المطالبة بحقه اي
داوم على وواظب على المطالبة بحقه، ويقال ثَبُت الخبر اي تاكد وتحقق، ونقول ثَبَّت
فلاناً اي حبسه وقيده.[1] فكلمة ثوابت تأتي بمعنى الثبات والستقرار، قال تعالى (ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ
فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[2]
اما احكام في اللغة فهي مفرد لكلمة حُكم، ومعناها قاعدة او شريعة فيقال
يطبق احكام الشريعة اي يطبق قاعدة الشريعة، ويقال الحاكم بين الناس اي القاضي بين
الناس يحكم بينهم بالحق والباطل[3]، قال تعالى (وَكَيْفَ
يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ
يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)[4]
والاسلام اي الانصياع والانقياد والاستسلام لله تعالى وتطبيق احكامه[5]، قال تعالى وَأَنِيبُوا
إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ
لَا تُنصَرُونَ، اي بمعنى انصاعوا له واطيعوه.[6]
اما في الاصطلاح فمعناها المواضيع التي لا تقبل التأويل او التفسير والمتفق عليها في القران الكريم والسنة النبوية، وهي المواضيع التي لا تتغير بتغير الازمنة او الامكنة، بمعنى انها تبقى ثابتة، مثل تحريم المحرمات والحدود المقررة للجرائم، فثوابت احكام الاسلام هي مبادئ الاسلام وقيمه الانسانية، وهذه الاحكام التي لا تقبل الاجتهاد او التأويل فيقال لا اجتهاد في مورد النص، فمثلاً تحديد انصبة الميراث، تحريم الخمور والزنى، وتحديد عُدد الطلاق، تحريم الربى، هذه كلها احكام ثابتة في الاسلام لا تقبل الاجتهاد او التاويل او التفسير وبالتالي لا يجوز مخالفتها، ويتم تنفيذها كما وردت في القران او السنة، لان هذه المواضيع اقام الله بها الحجة اما عن طريق كتابه او على لسان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) فلا تقبل فيها التطويرات او الاجتهادات.[7]
المطلب الثاني: مصادر ثوابت احكام الاسلام
ذكرنا في المطلب الاول ان ثوابت احكام الاسلام
تأتي من القران الكريم اوالسنة النبوية، ويعتبران مصدران اساسيان، وتأتي مصادر ثانوية مثل الاجماع وقول الصحابي
والعرف، الا ان هذه المصادر غير دقيقة وبالتالي لا يمكن الاستناد عليها واعتبارها
مصدر من مصادر ثوابت احكام الاسلام، وسنقصر بحثنا على القران الكريم والسنة
النبوية.
1)
القران الكريم
هو كلام الله تعالى المنزل على النبي
محمد (صلى الله عليه وسلم) باللفظ العربي، المنقول بالتواتر، المبتدئ بسورة
الفاتحة والمختوم بسورة الناس.[8]
من هذا التعريف يمكن الوصول الى خصائص
القران الكريم، وهي كالتالي:
1-
انه كلام الله تعالى، ودليل ذلك اعجازه وبلاغته، فالقران من اول نزوله الى
يومنا هذا لم يستطع احد الاتيان بمثله لا من العرب على الرغم من فصاحتهم ولا من
العجم ولا من اي احد اخر، وفي الحقيقة لن يستطع احد حتى في المستقبل الاتيان ولو
بحرف منه.
2-
انه انزل بلسان عربي، حيث نزله الله تعالى بلغة رسوله ليتيسر فهمه على القوم،
قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن
رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن
يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[9]، كذلك قال تعالى (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ)[10]
3-
منقول بالتواتر، اي انه نقل الينا نقلاً يفيد العلم اليقين، نقلاً لا
يقبل الخطأ او التأويل على وجوده.
4-
اعجاز القران الكريم، لما كان القران هو كلام الله تعالى فبالتأكيد يكون
معجزة بحد ذاته، فلا يستطيع احد الاتيان بمثل فصاحته او بلاغته كقوله تعالى (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ
عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ
كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)[11]، كذلك
احتوى القران على الاسرار الكون والحقائق العلمية الثابتة التي اكتشفها العلم
الحديث قريباً كقوله تعالى (أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ
يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[12] حيث
دلت هذه الاية على كروية الارض.[13]
5-
مرونة احكام القران[14]، لما كان
القران منزل من الله، فان احكامه تتسم بالمرونة، مراعاة لاحكام الناس ومصالحهم
وقدراتهم، قال تعالى (وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[15].
حجية احكامه: ان كل ما ذكر من احكام في القران
تعتبر واجبة العمل لانه كلام الله، فتكون احكامه حجة على المسلمين كافة لا يجوز
مخالفتها.
2)
السنة النبوية
هي كل ما صدر عن النبي من قول او فعل
او تقرير، لما كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) رسول من الله فانه يبلغنا
اوامر الله اما عن طريق القول او الفعل او السكوت -اي ان يحصل فعل معين امامه
ويسكت عنه مثل غناء جاريتين في يوم العيد-
والسنة من حيث قوة روايتها تقسم الى
ثلاثة اقسام: سنة متواترة، سنة مشهورة، سنة احاد، وسنتولى شرح كل واحدة بايجاز غير
مخل:
-
السنة المتواترة: هي ذلك النوع من السنة الذي رواه جمع من الصحابة معروفين
بامانتهم وصدقهم فلا يتفق على كذبهم، ثم نقلها جمع من التابعين وتابعي التابعين حتى وصلت الينا، فيشترط فيها ان ينقلها
جمع كبير من الصحابة المعروفين بامانتهم في كل طبقة من طبقات الحديث حتى نصل الى
مرحلة التدوين، وهذه السنة تفيد العلم اليقيني ويكون واجب العمل بها.[16]
-
السنة المشهورة: وهي مثل النوع الاول من السنة، الا ان فيها اختلاف واحد
فقط، وهو ان الرواة في الطبقة الاولى من الحديث ليسوا جمعاً، بمعنى ان تتم روايتها
من قبل واحد او اثنين في الطبقة الاولى، ثم تنتقل الى التابعين وتابعي التابعي حتى
نصل الى مرحلة التدوين، هذه السنة لا تفيد علم اليقين انما علم الطمأنينة اي انها
اقرب الى اليقين وبالتالي يكون واجب العمل بها.[17]
-
سنة الاحاد: وهي اضعف انواع السنة، حيث يروي الحديث واحد او اثنين في
طبقات الرواية، فالرواة ليسوا جمعاً، وبالتالي فانها تفيد العلم الظني وليس علم
اليقين، ولا تكون واجبة العمل في مسائل العقائد.[18]
حجية السنة: تكون واجبة العمل بها، بدلالة قوله
تعالى (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3)
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ)[19]
المبحث الثاني: التزام المشرع بثوابت احكام الاسلام
لما نص الدستور العراقي في المادة 2
اولاً على عدم جواز سن تشريعات تخالف احكام الاسلام، فلابد من الالتزام بما ورد
فيه، ويترتب على فعل العكس الحكم ببطلان التشريع، في هذا المبحث سنتناول المواد
القانونية المخالفة لثوابت احكام الاسلام في التشريعات المدنية والجنائية.
المطلب الاول: التزام المشرع بثوابت احكام الاسلام في القوانين
المدنية
1-
التعاملات المالية:اكدت الشريعة الاسلامية في القران الكريم على تحريم الربا لقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ
الرِّبَا ۚ)[20]، كذك قوله تعالى (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا
اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[21]، نلاحظ ان الشريعة الاسلامية قد حرمت الربا تحريماً صريحاً لا لبس فيه،
وتحريمه يعتبر من ثوابت احكام الاسلام، فلا يجوز سن قانون يتعارض مع تحريم الربا،
الا ان القانون المدني العراقي نص في مواضع عدة على اجازة الربا، نذكر منها:
-
اباحة الربا قبل المدين
المتأخر في الوفاء[22]، حيث نصت المادة
171 من القانون المدني العراقي النافذ على (اذا كان محل الالتزام مبلغاً من
النقود وكان معلوم المقدار وقت نشوء الالتزام وتأخر المدين في الوفاء به كان
ملزماً ان يدفع للدائن على سبیل التعويض عن التأخیر فوائد قانونیة قدرھا اربعة في
المائة في المسائل المدنیة وخمسة في المائة في المسائل التجارية، وتسري ھذه
الفوائد من تاريخ المطالبة القضائیة بھا ان لم يحدد الاتفاق او العرف التجاري
تاريخاً آخر لسريانھا وھذا كله ما لم ينص القانون على غیره).
-
اباحة الربا قبل الوكيل
الذي استعمل مال موكله، نصت
المادة 937 من القانون سالف الذكر على (لیس للوكیل ان يستعمل مال الموكل لصالح
نفسه، وعلیه فوائد المبالغ التي استخدمھا لصالحه من وقت استخدامھا وعلیه ايضاً
فوائد ما تبقى في ذمته من حساب الوكالة من وقت اعذاره)
-
اباحة الربا قبل المشتري، نص المادة 572 الفقرة 1(لا حق للبائع في الفوائد
القانونیة عن الثمن المستحق الاداء، الا اذا اعذر المشتري او سلمه الشيء المبیع
وكان ھذا قابلاً ان ينتج ثمرات او ايرادات اخرى وذلك ما لم يوجد اتفاق او عرف يقضي
بغیره)
2-
الاحوال الشخصية:
-
تعدد الزوجات: اباحت الشريعة الاسلامية تعدد الزوجات للرجل، قال تعالى في سورة النساء
(إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم
مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ
أَلَّا تَعُولُوا)[23]، وقيدت الاية
الكريمة الزواج باكثر من واحدة بضرورة وجود العدل بين الزوجات[24]
الا ان المشرع العراقي في قانون
الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 النافذ، قيد حق الرجل في تعدد الزوجات، حيث نصت المادة 3 في الفقرة 4 انه لا
يجوز الزواج باكثر من واحدة الا باذن من القاضي، ويشترط لاعطاء الاذن توافر شرطين
هما القدرة المالية والمصلحة المشروعة، ولم يحدد المشرع مصطلح المصلحة المشروعة
وترك تقديرها للقاضي، فنلاحظ اتفاق القانون والشريعة في الاباحة واختلافهم في
التقييد.
-
طلاق المريض مرض الموت: اجمع الفقهاء المسلمون على صحة طلاق المريض مرض الموت الا
ان المشرع العراقي حكم ببطلانه، حيث اكدت المادة 35\2 من قانون الاحوال الشخصية
سالف الذكر على هذا الامر.
-
ميراث البنت: نص المشرع في المادة 91\2 من قانون الاحوال الشخصية على ميراث البنت
بقوله(تستحق البنت او البنات في حالة عدم وجود ابن للمتوفي ما تبقى من التركة بعد
اخذ الابوين والزوج الاخر فرضهم منها وتستحق جميع التركة في حالة عدم وجود اي
منهم)، وبالتالي خالف المشرع ما اجمع عليه غالبية الفقهاء في هذه المسألة[25] حيث قالوا بانها اذا كانت واحدة فانها لا تأخذ كل التركة.
المطلب الثاني: التزام المشرع بثوابت احكام الاسلام في القوانين
الجنائية
تتميز الشريعة الاسلامية بشمول
احكامها، فجاءت لتنظم كافة مسائل الحياة ومن هذه المسائل تحديدها للجرائم والحدود،
الا ان المشرع لم يلتزم بهذه الحدود بل وضع عقوبات معينة لكل جريمة، مخالفاً بذلك
ما ورد في الشريعة الاسلامية، في هذا المطلب سنحاول بيان اوجه الخلاف بين ما ورد
في التشريعات الجنائية والشريعة الاسلامية.
-
جريمة الزنا: والمقصود به العلاقة غير الشرعية بين الرجل والمرأة، حيث اكد القران
على تحريمها في العديد من الايات، منها قوله تعالى (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا
ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)[26] وحدد العقوبة لهذه الجريمة فقال تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي
فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم
بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ
الْمُؤْمِنِينَ)[27]، ان القران قد جرّم الزنا سواء كان مرتكبي الجريمة متزوجين ام لا وحدد
العقوبة وهي الجلد مئة جلدة، اما في القانون فانه لم يجرّم الزنا الذي يحصل بين
الافراد غير المتزوجين، انما جرمه للافراد المتزوجين، وهذا ما يفهم من نص المادة
377 من قانون العقوبات العراقي التي حددت الجريمة للزوجة الزانية ومن زنا بها
والزوج اذا زنا في منزل الزوجية بعقوبة الحبس فقط.
-
جريمة السرقة: وهي اخذ مال الغير من دون علمه او رضاه، حيث جرّم القران
السرقة بدلالة قوله تعالى (وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ
اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[28]، حيث حدد القران حد السرقة وهو قطع اليد، لكن في القانون
تكون عقوبتها السجن او الحبس مع اختلاف الظروف والملابسات[29].
-
شرب الخمر: حرّم القران الكريم شرب الخمر بدلالة قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب
والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)[30]، على
الرغم من تحريم القران شرب الخمر الا انه لا وجود لعقوبة معينة لهذه الجريمة، اما
في القانون الجنائي فانه اصلاً لم يجرّم شرب الخمر، انما اكتفى بمنع المحكوم عليه
عند خروجه من السجن من ارتياد محال شرب الخمر[31].
-
جريمة القذف: قال تعالى (وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء
فَاجْلِدوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ)[32]، فعقوبة قاذف المحصنات ان لم يأتِ باربعة اشخاص يؤيدون
كلامه هي الجلد ثمانون جلدة، اما في القانون فعقوبة القذف اما الحبس او الغرامة او
كليهما[33].
في الحقيقة ان ما تم ذكره في هذا المبحث يعتبر جزء بسيط من مخالفة المشرع لاحكام ثوابت الاسلام التي تم التأكيد على ضرورة عدم مخالفتها في المادة 2/ اولاً/ أ من الدستور، وبالتالي فان المشرع قد خالف نفسه بنفسه، فتارة يؤكد على ثوابت احكام الاسلام و تارة اخرى هو بنفسه من يخالفها.
الخاتمة:
في خاتمة بحثنا توصلنا الى وقوع المشرع في تناقض واضح فتارة يؤكد على ثوابت احكام الاسلام في الدستور وينص على عدم جواز سن قانون يتعارض معها، وتارة اخرى هو بنفسه يقوم بمخالفتها، وعلى الرغم من ان غالبية النصوص القانونية التي استعرضناها لم تشرع في ظل دستور 2005 النافذ انما في ظل الدساتير التي سبقته الا انها بقيت نافذة ولم تلغَ الى الان الامر الذي اكد وقوع المشرع في تناقض، ومن هذا المنطلق ندعو المشرع الى القيام باحد الامرين، اما ان يقوم بتعديل الدستور وتلغى المادة 2/اولاً/أ من الدستور والابقاء على التشريعات الحالية كما هي حفاظاً على استقرار المعاملات او ان يقوم بالغاء جميع النصوص المتعارضة مع المادة 2/اولاً/أ من الدستور، وتحقيقاً لهذا الغرض تشكل لجنة خاصة تضم مختصين في مجال القانون والشريعة لتحديد المسائل التي تعد من ثوابت احكام الاسلام والنصوص القانونية المخالفة لها وكيفية معالجتها.
رابط البحث على ResearchGate:
المصادر والمراجع:
القران
الكريم
اولا: المعاجم:
-
معجم المعاني الجامع، معجم عربي-عربي.
ثانياً: الكتب
-
حميد سلطان علي، الوافي في اصول الفقه دراسة مقارنة في
القانون الوضعي.
-
مصطفي ابراهيم الزلمي، احكام الميراث والوصية في الفقه
الاسلامي المقارن والقانون.
ثالثاً: البحوث المنشورة
-
رسل ماجد حامد، ثوابت احكام الاسلام والاثار المترتبة على
الاخذ بها، مجلة كلية دجلة الجامعة، دراسات قانونية، المجلد5 العدد3، تموز 2022
-
وليد مرزة حمزة، نسخ التشريع بالثابت من احكام الاسلام،
مجلة جامعة الانبار للعلوم القانونية والسياسية، العدد التاسع، المجلد الاول، سنة
2018.
-
ناصر ضيف الله مطلق الحربي، حجية الاجماع، مجلة كلية
الشريعة والقانون، العدد الثالث والعشرون لسنة ٢٠٢١م الإصدار الثاني، الجزء
الثاني.
رابعاً: القوانين
-
الدستور العراقي لسنة 2005 النافذ.
-
القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة لسنة 1951 المعدل.
-
قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل.
- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
[1]
معجم المعاني الجامع، معجم عربي-عربي.
[2]
سورة الانفال، الاية 45
[3]
معجم المعاني الجامع، معجم عربي-عربي.
[4]
سورة المائدة، الاية 43.
[5]
معجم المعاني الجامع، معجم عربي-عربي.
[6]
سورة الزمر، الاية 54.
[7]
رسل ماجد حامد، ثوابت احكام الاسلام والاثار المترتبة على الاخذ بها، مجلة
كلية دجلة الجامعة، دراسات قانونية، المجلد5 العدد3، تموز 2022، صفحة 53-54.
[8]
حميد سلطان علي، الوافي في اصول الفقه دراسة مقارنة بالقانون الوضعي،الطبعة
الثالثة مزيدة ومنقحة، بيروت، 2023، دار السنهوري.
[9]
سورة ابراهيم، الاية 4.
[10] سورة الشعراء، الاية 195.
[11]
سورة الاسراء، الاية 88.
[12]
سورة الرعد، الاية 41.
[13]
مصدر سبق ذكره.
[14]
مصدر سبق ذكره.
[15]
سورة الحج، الاية 78.
[16]
مصدر سبق ذكره
[17] مصدر سبق ذكره.
[18]
مصدر سبق ذكره.
[19]
سورة النجم، الاية 3\4
[20]
سورة البقرة، الاية 275.
[21]
سورة ال عمران، الاية 130.
[22]
وليد مرزة المخزومي، نسخ التشريع بالثابت من احكام الاسلام، مجلة جامعة
الانبار للعلوم القانونية والسياسية، العدد التاسع، المجلد الاول، سنة 2018، صفحة
30.
[23]
الاية 3
[24] مع ملاحظة وجود اختلاف في مفهوم العدل بين الزوجات
لن نخوض فيه وسنتركه للمختثين من الفقهاء.
[25]
مصطفى ابراهيم الزلمي، احكام الميراث والوصية في الفقه الاسلامي والقانون
المقارن طبعة جديدة ومنقحة، المكتبة القانونية، بغداد.
[26]
سورة الاسراء، الاية 35.
[27]
سورة النور، الاية 2.
[28]
سورة المائدة، الاية 38.
[29]
ما نقصده هو اختلاف عقوبة جريمة السرقة في الظروف المشددة عن عقوبة جريمة
السرقة التي تقع على شخص في الطريق العام، فجريمة السرقة لها حالات كثيرة وحدد
المشرع عقوبة لكل حالة، الا ان قطع اليد لم يكن من ضمنها، وبالتالي خالف المشرع
احكام ثوابت الاسلام.
[30]
سورة المائدة، الاية 90.
[31]
ينظر المواد 106 و108 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
[32]
سورة النور، الاية 4 و5
[33]
ينظر المواد 435 و436 منقانون العقوبات سالف الذكر.