يعرف الدستور
بانه القانون الاعلى في البلاد الذي يحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها والسلطات
العامة وعلاقة السلطات ببعضها البعض والحقوق والحريات للافراد وينظم علاقة الافراد
بالسلطة العامة.
لما كان الدستور هو اعلى قانون في البلاد فمن غير الممكن ان تتعارض احكام القوانين الادنى معه، والقول بأنه اعلى قانون لا يعني احتواؤه على جميع النصوص القانونية التي تنظم سير الدولة، لكنه يحتوي على مجموعة القواعد الدستورية الواجب اتباعها وعدم مخالفتها عند سن قوانين تنظم امور الدولة او الحقوق والحريات فيها، وفي الحقيقة فأن القاعدة الدستورية تختلف باختلاف الدستور، فعند وجود الدستور المدون تكون القاعدة مدونة، وعند وجود الدستور العرفي تكون القاعدة عرفية، وفي الدستور المرن او الجامد تكون القاعدة مرنة او جامدة، وفي الوقت الحاضر وبسبب وجود مؤسسات دستورية تراقب دستورية القوانين، ظهر نوع جديد من القواعد الدستورية متمثلة بالقرارات القضائية للمحاكم الدستورية، وسنتولى شرح كل نوع بايجاز غير مخل.
القاعدة الدستورية المدونة
او ما تسمى
بالقاعدة الدستورية المكتوبة او المقننة، اي انها كُتبت في صلب الوثيقة الدستورية،
وتكون كذلك لان الدستور بدوره يكون مكتوب، بدأت اول عملية تقنين للدساتير في
الولايات المتحدة بعد الحصول على استقلالها من بريطانيا، وكتابة اول دستور عام
1787، وانتشرت عملية تقنين الدساتير في كل دول العالم، مثل فرنسا عام 1791،
وبلجيكا 1831، وايطاليا 1848، حتى اصبحت -على حد تعبير الفقه- ان التدوين هو
القاعدة العامة، والدساتير العرفية هي الاستثناء، وهكذا بتقنين الدستور يتم تقنين
القاعدة الدستورية في صلبه.[1]
ان القاعدة
المدونة تتسم بالوضوح والدقة والتحديد، وبالتالي تكون ضامنة اكثر لحقوق الافراد،
فكل فرد يستطيع بسهولة معرفة القواعد الدستورية، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى قال
جانب من الفقه انها تتسم بالجمود الذي يؤدي الى صعوبة تغيير القاعدة وعدم
امكانيتها مواكبة التغييرات الحاصلة في المجتمع.
القاعدة الدستورية العرفية
اي القاعدة التي
نشأت نتيجة للعادة والتكرار، بمعنى ان فعل معين تم تكراره لاكثر من مرة، فازداد
الاعتقاد بضرورة اتباعه والقيام به، وتكون القاعدة عرفية لان الدستور بدوره يكون
عرفي -اي غير مكتوب-، في الحقيقة تعتبر القواعد العرفية اسبق بالظهور من القواعد
المكتوبة، لان القاعدة المكتوبة في الحقيقة لا تعدو عن كونها كتابة للعرف، لكن
بانتشار عملية التقنين، اصبح التقنين هو الاكثر اتباعاً حتى اضحى هو القاعدة
العامة والاستثناء يقع على العرف.
عند القول
بوجود قاعدة دستورية عرفية، قد يتبادر الى ذهن البعض عدم امكانية وجود قاعدة
دستورية مدونة بجانبها، وهذا القول مردود، بدلالة ان الدستور البريطاني هو دستور
عرفي وبالتالي قواعده عرفية، الا ان هذا لم يمنع من وجود قاعدة دستورية مدونة مثل
العهد الاعظم او ما تسمى Magna Carta 1215 ووثيقة الحقوق 1688.
[2]
تتسم القاعدة
العرفية بالغموض لانها غير محددة بقدر القاعدة المكتوبة وبالتالي قد لا تضمن حقوق
الافراد وحرياتهم، الا انها تكون مرنة فيمكن تغييرها بسهولة ومواكبتها للتطورات
الحاصلة في المجتمع.
القرارات القضائية
عند قراءة
العنوان قد يتبادر الى ذهن القارئ ان اي قرار قضائي يصدر من اي محكمة يعتبر قاعدة
دستورية، وهذا اعتقاد خاطئ، لان ما نقصده هو القرارات القضائية الصادرة من المحاكم
الدستورية، اي المحاكم التي تُعنى بالرقابة على دستورية القوانين والفصل في
المنازعات ذات الطبيعة الدستورية، وهذا النوع من القواعد ظهر بظهور المحاكم
الدستورية، وتحديداً في الولايات المتحدة في دستورها عام 1787، ثم انتقل بعد ذلك
الى فرنسا في دستورها لعام 1791، وهكذا الى بقية دول العالم، ويمكن الجزم ان
غالبية دول العالم الان تنص في دساتيرها على تشكيل محاكم دستورية، وبالتالي فان
القرارات التي تصدرها هذه المحاكم تعتبر قاعدة دستورية مفسر للنص الدستوري او
مكملة له.
القاعدة الدستورية المرنة
في هذا النوع
من القواعد تعامل القاعدة الدستورية معاملة القانون العادي، اي بمعنى انها تعدل او
تلغى او تسن بذات الطريقة التي يعدل و يلغى او يسن بها القانون العادي، بمعنى انها
لا تتطلب اي اجراءات معقدة -على عكس القاعدة الجامدة كما سنرى- وهذه تعتبر احد
ميزاتها اي انها سهلة التعديل.
القاعدة الدستورية الجامدة
وهو على العكس
من القاعدة المرنة، بمعنى انه يتطلب اجراءات معقدة حتى يتم تعديلها، كأن يتطلب
وجود اغلبية معينة، او يتطلب عرضه على الشعب للاستفتاء، او ان يقيد التعديل بمدة
زمنية معينة كأن تكون 5 سنوات او 10 سنوات، فينص الدستور على عدم جواز تعديل او
حذف او اضافة اي مادة او قعدة قانونية الا بمرور مدة معينة.
وقبل التطرق الى موقف العراق من القواعد الدستورية، نود
بيان امر هام وهو انه من الممكن ان يتم الجمع بين أنواع القواعد الدستورية، فمثلاً
يتم الاخذ بالقاعدة المدونة الجامدة، او العرفية المرنة، او المدونة المرنة،ومن
الممكن ان توجد بجانبهم القرارات القضائية للمحاكم الدستورية، أي بمعنى ان واضعي
الدستور غير ملزمين بنوع واحد من القواعد انما هناك إمكانية الجمع بينهم.
القواعد الدستورية في العراق:
بعد الاطلاع
على انواع القواعد الدستورية، يثار تساؤل ما موقف الدستور العراقي؟
بالعودة الى
نصوص الدستوري العراقي النافذ، نلاحظ بانه اخذ بالقاعدة المدونة الجامدة، لان
دستور العراق هو دستور مدون، وحسب نص المادة 126، فأنه دستور جامد اي يتطلب
اجراءات قانونية معقدة واغلبية خاصة لتعديله.
[1]حميد حنون خالد، مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي
في العراق، دار السنهوري، بيروت، 2019، طبعة محدثة ومنقحة.
[2] المصدر السابق.