يمكن تعريف
القانون ببساطة بانه مجموعة من القواعد القانونية الصادرة من السلطة المختصة والتي
تنظم العلاقة بين الافراد او بين الافراد والدولة، ان قيام السلطة المختصة
-البرلمان غالباً- بوضع قاعدة قانونية لا يتم اعتباطاً، انما يكون مستنداً او
مشتقاً من مجموعة امور مثل الشرائع -اسلامية او غيرها- او الاعراف او المبادئ او
مستندة الى تشريعات سابقة، وبالتالي تنشأ القاعدة القانونية، والقانون الدولي
العام يشبه القانون الداخلي في هذه الناحية، فان القاعدة القانونية الدولية كذلك
لا تنشأ اعتباطاً انما تكون مستندة او مشتقة من مجموعة امور.
حددت المادة
38 من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية مصادر القانون الدولي وهي كالتالي:
1-
الاتفاقيات
الدولية العامة او الخاصة المعترف بها من قبل الدول[1]
2- العرف الدولي
3- مبادئ
القانون الدولي
4- احكام
المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون من مختلف الامم
5- مبادئ العدل
والانصاف
وقد يتساءل
ساءل لماذا الاخذ بالمصادر التي وردت في النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية وليس
ما ورد في المحكمة الجنائية الدولية؟ الجواب ببساطة بسبب خصوصية عمل كل محكمة،
فالعدل الدولية تفصل في المنزاعات التي تنشأ بين الدول بينما الجنائية الدولية
تعاقب الافراد المتهمين بارتكاب الجرائم التي وردت في نظام روما 2002 -وليس من
وظيفتها الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدول- وهي تطبق في الدرجة الاولى
نظامها الاساسي، كذلك ان عمل الجنائية الدولية يطغى عليه الصفة الجنائية وهذا
الامر واضح من اسم محكمة وطبيعة عملها. ولهذه الاسباب سنقصر الحديث في مقالتنا عن
المصادر التي ذكرت في النظام الاساسي للمحكمة العدل الدولية.
المصادر
الرئيسية:
ان تقسيم
مصادر القانون الدولي الى رئيسية واحتياطية -ثانوية- هو تقسيم فقهي، فقالوا بأن ما
ورد من مصادر في المادة 38 من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية يقسم الى مصادر
اصلية وهي المعاهدات سواء كانت عامة او خاصة، العرف الدولي، مبادئ القانون التي
اقرتها الدول المتمدنة. ومصادر احتياطية تمثلت باراء الفقهاء واحكام المحاكم.
1- المعاهدة
الدولية: وهي عبارة عن
اتفاق -عقد- بين شخصين او اكثر من اشخاص القانون الدولي العام -الدول، المنظمات
الدولية، والفرد في احيان ضيقة-[2]
تهدف الى احداث اثار قانونية معينة، مثل المعاهدات التي تبرم بين الدول لترسيم
الحدود، تنظيم مجرى الانهار الدولية، او التنقيب المشترك للثروات الطبيعية. بمفهوم
المخالفة ان كل اتفاق يبرم خلافاً للتعريف اعلاه لا يستوفِ مفهوم المعاهدة
الدولية. والمعاهدة كبقية العقود تحتاج الى توافر اركان العقد من رضا ومحل وسبب.[3]
والمعاهدات انواع، فهناك المعاهدة الشارعة وفي هذا النوع تكون ملزمة لجميع
الدول سواء كانوا اطرافاً فيها ام لا وهناك المعاهدة العقدية وهي ملزمة لاطرافها
فقط.[4]
للمعاهدة الدولية العديد من المزايا والعيوب، فاحكامها واضحة ويمكن الرجوع
اليها بسرعة، ومن ناحية اخرى قد لا تستطيع المعاهدة الدولية سد احتياجات المجتمع
الدولي بسبب عدم قدرة الدول على الاجتماع دائماً وتنظيم المسألة محل النظر.
2- العرف
الدولي:
ببساطة يمكن القول ان العرف هو مجموعة من الاعمال المتماثلة في تصرف معين
بين الدول، والاعتقاد بالزامية هذه الاعمال قانوناً.
من خلال هذا التعريف يمكن القول ان للعرف ركنان[5]، الاول
مادي ويتمثل بالتصرفات او الاعمال التي تحصل بين الدول والثاني هو معنوي ويتمثل
بالزامية هذه التصرفات بمعنى ان عدم القيام بها يؤدي الى مسائلة الدولة. في
الحقيقة ان العرف الدولي كمصدر للقانون الدولي يعتبر اسبق في الظهور من المعاهدة
الدولية، لان المعاهدة لا تعدو عن كونها تدوين لاعراف بين الدول.
ان العرف الدولي ينشأ اما عن طريق هيئات حكومية او هيئات دولية، فبالنسبة
للاولى تتمثل بتصرفات بالمراسلات الدبلوماسية او التعليمات الرسمية، التعليمات
التي تصدرها الدولة لمحاربيها وقت الحرب، القوانين التي تصدر عن السلطة التشريعية
في دولة معينة واخيراً احكام المحاكم الداخلية -اي بمعنى ان هذه التصرفات لها ابعاد دولية وبالتالي تنشئ
العرف الدولي-. اما بالنسبة للثانية -الهيئات الدولية- تتمثل باحكام
المحاكم الدولية على اختلاف انواعها وتصرفات المنظمات الدولية.
وللعرف العديد من المزايا والعيوب، يمتاز بالمرونة وبالتالي يواكب التطورات
الحاصلة في العلاقات الدولية، الا انه غير واضح يتسم بالغموض نوعاً ما، مع ملاحظة ان العرف يعتبر المصدر
الوحيد الملزم للدول فمنه اشتقت جميع المصادر التي وردت في المادة 38 وان الترتيب
الذي ورد في هذه المادة انما ورد على سبيل الوضوح، لان المعاهدات اوضح كونها مدونة
يأتي بعدها العرف ثم المبادئ والخ...
3- مبادئ
القانون الدولي:
اختلف الفقهاء في تعريف مبادئ القانون الدولي فمنهم من قال بأنه مصدر
تكميلي للقانون الدولي، ومنهم من قال انها قواعد العدالة، وببساطة تعرف مبادئ
القانون الدولي بأنها مجموعة المبادئ الموجودة في القانون الداخلي مثل مبدأ احترام
الحقوق المكتسبة، وعدم جواز ان يكون الشخص قاضياً وخصماً في نفس القضية، وانها
مجموعة المبادئ الموجودة في القاون الدولي مثل عدم جواز اجبار الدولة على التحكيم
دون رضاها.
المصادر
المساعد (الثانوية) (الاحتياطية)
سميت هكذا
لانها تساعد المصادر الاصلية في حل النزاع ولا يتم اللجوء اليها الا في حال عدم
وجود قاعدة قانونية واجبة التطبيق في المصادر الاصلية، ووفقاً للمادة 38 من النظام
الاساسي لمحكمة العدل الدولية فان المصادر الثانوية هي ثلاثة:
1- احكام
المحاكم:
وهي المصدر المساعد الاول للقانون الدولي، وتتمثل باحكام المحاكم الدولية،
وقد يتساءل ساءل هل القاضي يُنشئ قواعد دولية؟ الجواب من الممكن ان ينشئ القاضي قواعد دولية عن طريق
تطبيقه لمبادئ العدل والانصاف، بالاضافة الى ذلك ان الحكم القضائي حجيته
نسبية على اطراف النزاع وليست مطلقة على الجميع، الا ان محكمة العدل الدولية في
العديد من قراراتها كانت تشير الى احكام سابقة لها او اراءها الافتائية، بمعنى ان
هذه الاحكام غير ملزمة الا ان لها قيمة وثقل في النزاعات.
2- اراء
الفقهاء:
والمقصود بها ما يقدمه الفقهاء من بحوث ودراسات وتحليل للنصوص القانونية،
التي تساعد على فهم اكبر للقاعدة القانونية وكشف الغامض منها، ان هذه الاراء تؤدي
في احيان كثيرة الى تعديل القاعدة القانونية او ازالتها او اضافة قواعد جديدة
تتوالم مع التطورات الحاصلة في المجتمع الدولي.
3- مبادئ العدل
والانصاف:
ان القاعدة القانونية في كثير من الاحيان قد تتسم بالجمود والصلابة الامر
الذي يؤدي الى ضياع الغرض الذي وجدت من اجله وبدلاً من تحقيق العدل يحصل ظلم لاحد
الاطراف، ولهذا السبب وجدت مبادئ العدل والانصاف، فاذا لم توجد قاعدة قانونية لحل
النزاع من الممكن ان تحكم المحكمة وفقاً لمادئ العدل والانصاف، لكن حسب المادة 38
المذكورة يجب موافقة الاطراف على تطبيق المحكمة لهذه المبادئ والسبب يعود الى
المرونة في حل النزاع ومراعاتها لظروف النزاع التي قد تكون استثنائية.
تم نشره بتاريخ 18 اغسطس 2025 الاثنين في الساعة 5:00 مساءً
[1] ببساطة اذا لم تعترف الدول
باتفاقية ما فانها غير ملزمة بها.
[2] يضيف البعض الفاتيكان ويعده من اشخاص القانون الدولي العام، الا اننا
لا نؤيده كون الفاتيكان لا يعدو عن كونه كنسية.
[3] للمزيد من التفاصيل حول المعاهدة ينظر كتاب
الدكتور باسم العطية، القانون الدولي العام طبعة جديدة ومنقحة 2019، صفحة 55 فما
فوق.
[4] باسم العطية، القانون الدولي العام، طبقعة جديدة
ومنقحة، 2019، صفحة 59.
[5] مصدر سابق، صفحة 113.