المقدمة:
ان وجود الدساتير
في العراق لم يكن مستقراً فقد مر بمراحل من الوجود وعدم الوجود، العمل به او
تجاهله، لان غالبية الدساتير في الفترة الممتدة من 1958 والى دستور 1970 كانت
دساتير مؤقتة، والسبب في ذلك يعود الى طبيعة القابضين على السلطة فغالبيتهم -ان لم
يكونوا جميعهم- سلطويين يرغبون السلطة ويرفضون ما يقيدها ونتيجة لذلك كانت غالبية
الدساتير مؤقتة فيوهمون الشعب بأن هذا الدستور مؤقت وسيتم عمل دستور يتناسب مع
تطلعاتهم -أي تطلعات الشعب-.
وبكل الأحوال
فإن الدساتير المؤقتة لم يعد لها وجود في العراق بعد عام 2003 وسقوط نظام الحكم،
حيث تم إقرار دستور 2005 والمعمول به حالياً، وكان من المتوقع بهذا الدستور ان يبنى
على أسس ديمقراطية تكفل حق الشعب العراقي لكن ما جاء فيه كان مغايراً للمتوقع، حيث
رسًخ الدستور -بقصد او بدون قصد- أُسس طائفية تركز على التفريق بين الشعب العراقي،
وبالتالي فان الطائفية ستبقى تنخر في الشعب العراقي.
في هذه
المقالة سنحاول النظر الى التأسيس الطائفي الذي جاء به دستور 2005.
يتكون الشعب
العراقي من العديد من الأديان والمذاهب والقوميات وبالتالي تتنوع ثقافته وبدلاً من
اعتبار هذا التنوع نقطة قوة للعراق، جاء الساسة بعد 2003 وحولوا نقطة القوة الى
ضعف عن طريق ترسيخ الطائفية في الدستور الذي يعد القانون الأعلى في البلاد والترسيخ
الطائفي يلاحظ بجلاء في النقاط الآتية:
1- ديباجة
الدستور
ديباجة
الدستور او مقدمة الدستور تذكر في الغالب في مقدمة الوثيقة الدستورية او بصورة
منفصلة عنها، تأتي معرفةً بالعديد من الأمور ومن ضمنها فلسفة النظام وطبيعته وهذه
النقطة هي ما يهمنا فكانت اول بوادر التأسيس الطائفي منصوصٌ عليها في الديباجة حيث
ذكر المؤسسين في صلبها ما يلي (... مستذكرين
مواجع القمع الطائفي من قبل الطغمة المستبدة ومستلهمين فجائعَ شهداءِ العراق شيعةً
وسنةً، عرباً وكرداً وتركماناً، ومن مكونات الشعب جميعها...). من نص الديباجة هذا ذكر المؤسسون فجائع
شهداء العراق وقاموا بعد ذلك بتحديد الشيعة والسنة والعرب والكرد والتركمان ثم ذكر
بعدها مباشرة ومن مكونات الشعب جميعها، في الحقيقة ان ذكر الطائفة او القومية
لشهداء العراق ام لا يبرره الا شيء واحد وهو رغبة المؤسسين في ترسيخ الطائفية، فاستعمال
المصطلحات امر هام ان أصاب الواضعين فيها نجح الدستور وان اخطأوا فشل الدستور،
وهذا بالضبط ما حصل في دستور 2005 فاستعمالهم للتعداد لقوميات وطوائف شهداء العراق
امر غير منطقي وكان من الاجدر الإبقاء على عبارة (فجائع شهداء العراق) دون ذكر
التعدد الطائفي او القومي.
وفي فقرة
أخرى ذُكر في الديباجة (...نحنُ شعبُ
العراق الذي آلى على نفسه بكلِ مكوناته وأطيافه ان يقرر بحريته واختياره الاتحاد
بنفس...) فما الداعي
لذكر عبارة (بكل مكوناته واطيافه)؟ كان من الاجدر ان تكون الصيغة كالآتي (...نحنُ شعبُ العراق الذي آلى على نفسه ان يقرر بحريته واختياره الاتحاد
بنفسه...)
2- تشكيل الجيش
من المعروف
ان لكل دولة جيش يدافع عنها ويحميها ويضمن سلامتها من أي تهديد، واختيار أعضاء
الجيش يكون ضمن شروط صارمة تحدد كفاءتهم على اعتبار انهم سيدافعون عن الوطن، وفي
الحقيقة هذا هو الصواب أي ان يتم الاختيار وفقاً لكفاءة المتقدمين، لكن في دستور
2005 كان للواضعين رأي مغاير حيث نصت المادة 9/اولاً/أ على (تتكون القوات المسلحة العراقية والاجهزة الامنية من مكونات الشعب
العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أو اقصاء...)، في الحقيقة نحن نتساءل عن مقصد المشرع
المؤسس في هذه المادة فكيف يتم تشكيل الجيش بما يراعي التوازن وعدم التمييز
لمكونات الشعب العراقي؟ ان المشرع المؤسس كان بعيداً عن جادة الصواب في صياغة هذه
المادة، لأنه فضّل التوازن بين المكونات على الكفاءة وهذا امر غير منطقي، ان
اختيار الأعضاء كان على أساس مراعاة تمثيل مكونات الشعب وليس الكفاءة وحصلت حرب
فكيف سيتم الدفاع عن الوطن؟
3- ممارسة الشعائر
الدينية:
كل دولة
ديمقراطية تضمن ممارسة الحقوق والحريات لمواطنيها ومن ضمن هذه الحقوق ممارسة
الشعائر الدينية، وقد نص على ذلك المادة 43/اولاً/أ (اتباع كل دين أو مذهب احرار في:
1.
ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينية
ان ضمان
الدستور لممارسة هذه الشعائر امر منطقي في دولة ديمقراطية تكفل حقوق وحريات
مواطنيها، لكن ما يعاب على نص هذه المادة هي ذكر عبارة (بما فيها الشعائر
الحسينية) وهنا نجد تأسيس طائفي اخر في الدستور، وكان من الاجدر الاكتفاء بعبارة
ممارسة الشعائر الدينية، وفي الحقيقة يعاب على نص المادة امر اخر وهو عدم ذكر
الدستور ضرورة تنظيم الممارسات الدينية بقانون، لان الحريات ليست مطلقة وكان من
الأمثل ان يكون نص المادة (... ممارسة الشعائر
الدينية وينظم ذلك بقانون).
في الحقيقة
ان ما تم ذكره يعتبر نزر بسيط من التأسيس الطائفي في الدستور وندعو المشرع الى
تعديل الديباجة ونصوص المواد 9/اولاً/أ و43/اولاً/أ بما يضمن الابتعاد عن العبارات
الطائفية لان اختيار المصطلحات امر بالغ الأهمية فإن أصاب المشرع فيها نجح وان
اخطأ حُكم عليه بالفشل ولو بعد حين.
تم نشره بتاريخ 29 سبتمبر 2025 يوم الاثنين في الساعة 5:00 مساءً.


_157352833077890.png)