يعد
القانون الجنائي من اكثر فروع القانون اتصالاً بحياة الافراد وامن المجتمع, من
خلال تنظيم سلوك الافراد بتحديده للافعال المجرمة والعقوبات المقررة على مرتكبيها
ولذلك لابد من تحديد نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان والمكان والاشخاص
وهذا ما سيتم بيانه في هذا البحث:
- نطاق تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان
من خصائص
القانون الجنائي انه فوري التطبيق, اي يطبق على الجرائم الواقعة بعد تاريخ نفاذه
وذلك حسب قانون كل دولة والوقت المعين
ليكون القانون نافذ فيها, اذاً هو الوقت الذي يكون فيه للقانون قوة نفاذ ويصبح
حينها من الممكن تطبيقه على ما قد يقع من جرائم, ويستمر تطبيق القانون لغاية
الغاءه بصدور قانون جديد يلغيه بشكل صريح او ضمني
فلا يطبق
القانون على ما قد وقع قبل نفاذه من جرائم
وهذه هي قاعدة ’’عدم رجعية القانون الجنائي’’
وان معرفة
ما اذا كانت الجريمة قد وقعت قبل نفاذ القانون ام بعده فهذا يختلف بحسب نوع
الجريمة1, فالجرائم الوقتية يكون وقت ارتكاب الجريمة هو وقت اقتراف الفعل التنفيذي
المكون لها بغض النظر عن وقت حصول النتيجة وبالتالي فأن القانون النافذ وقت حدوث
الفعل التنفيذي للجريمة يكون هو القانون الواجب التطبيق على هذه الجريمة, والامر
ليس كذلك بالنسبة للجرائم المستمرة, اذ قد تمتد الجريمة المستمرة لغاية نفاذ
القانون الجديد وبالتالي يكون هو القانون الواجب التطبيق عليها وذلك تطبيقاً
لقاعدة ’’عدم رجعية القانون الجنائي’’
اما
بالنسبة لجرائم الاعتياد, فقد يقع في ظل القانون القديم العمل الاول بينما الاعمال
المتممة للاعتياد تقع في ظل القانون الجديد فأن تحديد القانون الواجب التطبيق فيه
رأيان, يذهب الاول الى كون ان القانون الجديد يكون واجب التطبيق بشرط ان يتحقق في
ظله تكرار للجريمة (اي ان تقع الجريمة في ظله بعدد المرات الذي يحقق الاعتياد).
اما الرأي الاخر يذهب الى كون القانون الجديد يكون واجب التطبيق حتى وان وقع في ظل
نفاذه ما يحقق الاعتياد في الجريمة2.
وهناك
استثناءات ترد على قاعدة عدم رجعية القانون الجنائي:
1- القواعد المفسرة
هي
القواعد القانونية التي تصدر لغرض تفسير نص قانوني سابق له مشوب بالغموض او النقص
فيكون مختلف على تفسيره, فيكون حينها النص الواجب التطبيق هو النص الاول الذي صدر
الاخر لغرض ايضاحه.
2- القانون الاصلح للمتهم
وهو القانون الذي ينشئ للمتهم مركزاً او وضعاً يكون اصلح
له من القانون القديم كأن يلغي جريمة او يضيف لها ركناً او يلغي عقوبة او يقرر
وجهاً للإعفاء من المسؤلية او سبباً للإباحة او لامتناع العقاب, ففي هذه الاحوال
يكون القانون الواجب التطبيق هو القانون الاصلح للمتهم حتى وان لم يكن هو القانون
الجديد.
- نطاق تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان
المبدأ
العام في تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان هو مبدأ اقليمية القانون الجنائي
(الذي حل محل مبدأ شخصية القانون الجنائي في قوانين الثورة الفرنسية, سيتم شرحه
فيما بعد), المقصود بمبدأ الاقليمية في تطبيق القانون الجنائي هو ان القانون
الجنائي لدولة ما يطبق على جميع مرتكبي الجرائم داخل اقليم هذه الدولة بغض النظر
عن جنسياتهم سواء وطنيين ام اجانب,
وبمفهوم المخالفة فأن هذا القانون لا يطبق على الجرائم المرتكبة خارج اقليم الدولة
حتى وان كانت هذه الجرائم مرتكبة من قبل مواطنيها.
اما مبدأ الشخصية في تطبيق القانون الجنائي فيعني تطبيق
القانون الجنائي لدولة ما على جميع مواطنيها بغض النظر على مكان ارتكابهم لهذه
الجرائم ولا يطبق القانون على الاجانب حتى وان ارتكبوا جرائمهم داخل اقليم الدولة
نفسها.
ويرجع
السبب في اعتماد مبدأ الاقليمية في تطبيق القانون الجنائي بدل مبدأ الشخصية, الى
كون الاول يعتبر من مقتضيات سيادة الدولة ومظهر من مظاهرها, فمن مقتضيات سيادة
الدولة انه لا يمكن لدولة ما ان تطبق قانونها على اراضي دولة ثانية لان في ذلك
تعدي على سيادة الاخيرة.
كما ان
هذا المبدأ اضمن لمصلحة المجتمع لانه من الاصلح ان يتم محاكمة مرتكب جريمة ما على
اقليم دولة ما وفق قانونها اذ هذه الدولة تعتبر المتضررة جراء هذه الجريمة اكثر من
غيرها.
بالاضافة
الى ذلك فهذا المبدأ يعتبر الاقدر على تحقيق العدالة, فاتخاذ الاجراءات التحقيقية
بخصوص هذه الجريمة وفقاً لقانون الدولة التي ارتكبت على اقليمه اضمن للوصول
للعدالة اذ ان وسائل اثبات الجريمة تتيسر في المكان الذي وقعت فيه وسرت فيه آثارها.
- نطاق تطبيق القانون الجنائي من حيث الاشخاص
يقصد
بنطاق تطبيق القانون الجنائي على الاشخاص اي تحديد الاشخاص الذي يطبق عليهم هذا
القانون, فالاصل كما بينا سابقاً في نطاق
تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان بأن القانون الجنائي للدولة يطبق على
جميع الاشخاص المتواجدون داخل اقليمها بغض النظر عن جنسياتهم, ولكن نظراً لطبيعة
العلاقات الدولية وتعدد فئات الاشخاص واختلاف مراكزهم القانونية فقد نشأت استثناءات
ترجع الى اعتبارات سياسية وسيادية ودبلوماسية.
القانون
الجنائي بالاضافة الى سريانه على جميع الاشخاص المتواجدين داخل اقليم الدولة فقد
يمتد ليطبق على اشخاص اخرين بغض النظر عن جنسياتهم واماكن ارتكابهم للجرائم اذا
كانت هذه الجرائم ماسة بأمن الدولة الداخلي او الخارجي وسلامتها كجرائم التجسس او
تزوير او تقليد او تزييف العملة الخاصة بالدولة.
كذلك هناك
حالات لا يطبق فيها القانون الجنائي للدولة التي وقعت فيها الجريمة على مرتكبها
امثال ذوو الحصانات من رؤساء الدول واعضاء السلك الدبلوماسي والموظفين الدوليين,
وايضاً البرلمانيون واعضاء الهيئات القضائية (فقد يتمتعون بحصانة داخلية مؤقتة
تؤمن استقلالهم).
اما بالنسبة للاشخاص
المعنويين, فالاصل هو ان تطبيق القانون الجنائي يقتصر على الاشخاص الطبيعيين, الا
ان بعض التشريعات اتجهت حديثاً الى الاعتراف للاشخاص المعنوية بالمسؤلية الجنائية
مثل الشركات والمؤسسات, خصوصاً في الجرائم الاقتصادية والبيئية.
الهوامش: