تعد قاعدة "الخاص يقيد
العام" واحدة من أهم القواعد الفقهية والقانونية على الإطلاق، إذ تعرف ب
“قاعدة قانونية استثنائية تهدف الى ضمان تطبيق القانون بشكل سليم ومنع التناقض
والتعارض والنقص التشريعي، من خلال تغليب النص الخاص الوارد في الوثيقة القانونية
الواحدة او عدة نصوص في قوانين متعددة على النص القانوني العام الذي يحكم حالة
محددة تشترك مع النص الخاص في التنظيم"
وعليه تستند هذه القاعدة على
عدة أمور هي: - النص العام، الغاية منه، النص الخاص وفائدته.
فالنص العام هو نص ينظم حالة
(قانونية كانت ام واقعية)، ويعطي حكم قانوني لها ومن ثم يشكل القاعدة العامة التي
يجب الرجوع عليها في أي وقت تجد فيه القاعدة تطبيق لها.
الغاية من النص العام وتسميته
بهذا الاسم هي انه ينظم حالة عامة شائعة الحدوث ونادرة التطور، ويعطيها حكم قانوني
ثابت يطبق متى حدثت الواقعة المنشئة لها ويغلب عليه العمومية والتجريد في التطبيق.
اما بالنسبة للنص الخاص فهو
النص الذي يقيد النص العام الذي يأتي بتنظيم ذات الحالة التي نظمها النص العام،
ويعطيها حكم قانوني مختلف عن النص الأخير.
فعندئذ
تحدث
حالة من التناقض والتعارض التشريعي، فيكون لدينا نصين متعارضين
يحكمان ذات الحالة، بأحكام مختلفة فيتعذر حينها تطبيق النص القانوني لتعارض
الاحكام.
حينئذ، تأتي قاعدة "الخاص يقيد العام" لكي تقوم بحل هذه المشكلة، من خلال
تغليب النص الخاص على النص العام، والالزام بتطبيقه على الحالات التي تسببت
بالتعارض وعندئذ يطبق القانون بشكل سليم ولا تظهر لدينا مشكلة النقص والفراغ
التشريعي في تطبيقه.
ولكن
ما هي الفائدة من إيراد نصوص عامة ومن ثم تقييدها بنص خاص؟
ان فلسفة المشرع في تشريعه
للنصوص القانونية، تأتي من خلال ايراده نصوص تعالج الحالات الاجتماعية والواقعية
التي تكون هي الأصل في الأشياء والتي تتسم بالأصالة والشيوع في التعامل والحدوث
ومن ثم يبنى عليها فرض ويعطي حكم لها لأنها الأصل في الأمور. فالمشرع عندما يقوم
بإبراز قاعدة قانونية معينة وينظمها ويجعل منها قاعدة عامة، فهو هنا يستند الى
اعتبارات عملية إنسانية اجتماعية فتعتبر حلول تقليدية تعد المرجع في الامور،
وعندما تزول هذه الاعتبارات لأي سبب مثل تجدد وتطور الحياة الإنسانية فبدلا من
تعديل القانون أو إصدار تشريع جديد تأتي قاعدة الخاص يقيد العام لكي تقوم بدور
التشريع الجديد لمعالجة الحالات الشاذة عن القاعدة العامة.
اما بالنسبة لنطاق
تطبيق هذه القاعدة، فلا تقتصر على مجرد النصوص القانونية في المدونة التشريعية، بل
تجد هذه القاعدة تطبيقها بين نصوص القانون الواحد وبين نصوص عدة قوانين سابقة
ولاحقة، فمثلا عندما يقوم المشرع بالنص في مادة قانونية على حكم معين، ثم يأتي في
نص اخر ليقوم بحكم ذات الحالة بحكم مختلف في ذات الوثيقة القانونية الواحدة، وحالة
أخرى عندما يصدر تشريعان الأول عام يتضمن جميع القواعد الموضوعية العامة والمجردة
والثاني يتضمن نص او نصين يحكمان ذات الحالة التي يحكمها النص العام، ففي الحالتان
السابقتان يغلب النص القانوني الوارد في التشريع الخاص على النص القانوني الوارد
في التشريع العام، ويغلب النص القانوني اللاحق على سابقه في الحكم لأنه حكم حالة
خاصة.
نأتي لضرب عدد من الامثلة
بخصوص هذه القاعدة كالآتي: قوانين الالتزامات هي قوانين عامة مجردة تحكم جميع
الالتزامات المالية المدنية والتجارية وجميع الأشخاص الطبيعية والمعنوية، فعدما
يأتي قانون اخر يحكم واحدة من تلك الحالات مثلا قانون التجارة الذي أصبح ينظم أمور
التاجر والعمل التجاري الذي سبق ان نظمه القانون المدني، اصبح القانون التجاري هو
الخاص الذي قيد القانون العام ونصوصه، من حيث أي قضية تتعلق بالتاجر وحقوقه والعمل
التجاري وكيفية ممارسته أصبحت من مهمة القانون الأخير تطبيقاً لقاعدة " الخاص
يقيد العام".
كذلك قانون الشركات الذي يُعنى
بتسجيل الشركات وكيفية عملها وكل ما يتعلق بها الذي سبق أيضا ان ينظمه قانون
الالتزامات العام، يصبح هو القانون الذي يعنى بتنظيم الشركات والأشخاص المعنوية،
لأنه نظم ذات موضوع القانون العام الذي سبق تنظيمه.
تم نشره يوم الخميس 18 سبتمبر 2025 في الساعة الخامسة مساءً


.png)