القتل الرحيم يعد من المواضيع المثيرة للجدل في الفكر القانوني والاخلاقي المعاصر وذلك لما يثيره من اشكاليات عميقة تتعلق بحق الحياة وحق التدخل الانساني لسلب هذا الحق، فالقتل الرحيم هو سلب حياة شخص مريض من قبل طبيب او شخص آخر طلباً منه او بدون طلب، وتكون غاية القاتل هي رأفة بحالة المريض لتخليصه من مرضه وتخفيف عنه آلامه. فالقتل الرحيم يبرر من منظور إنساني على أساس أنه أفضل للشخص لتخليصه من آلامه ومن مرضه.
وبهذا نكون امام تساؤل مهم وهو هل يملك الشخص حق انهاء حياة شخص بدافع انساني؟ اي هل يكون للانسان الحق بتقرير ماهو افضل لشخص ما والتصرف بحياة هذا الشخص بناءً على رأيه الشخصي؟
وان كان القتل الرحيم بطلب صريح من قبل المريض، هل يستطيع الآخر الاستجابة لهذا الطلب؟
ان حق الحياة يعتبر حق مقدس وغير قابل للتنازل عنه او التسامح فيه في ظل ظروف معينة، اذ يعد هذا الحق اقدس الحقوق الانسانية واساس جميع الحريات، فهو الحق الذي تقوم عليه الشرائع السماوية وتؤكد عليه الدساتير والقوانين الوضعية باعتباره الأصل الذي لا يجوز المساس به. وقد حرص الإسلام على صيانته، فجعل الاعتداء على النفس البشرية اعتداءً على الإنسانية جمعاء، فنص القرآن الكريم: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾. ومن هذا المنظور انطلقت القوانين في حماية النفس البشرية وتجريم القتل وترتيب العقوبة عليه، بغض النظر عن دوافع واسباب هذا الفعل.
وحق الحياة وجه لواجب، فلكل شخص حق بالحياة وعليه واجب الحفاظ على هذا الحق وعدم الاعتداء عليه، وكذلك من الواجبات المفروضة على الطبيب هو عدم الاعتداء على حياة أي شخص آخر مهما كانت دوافعه ومهما كانت أهدافه وعليه الحفاظ على هذه الحياة حتى النهاية، وهذا الواجب غير محصور فرضه على الطبيب فقط بل هو واجب على كل إنسان واجب بأن لا يعتدي على حياة أي شخص بغض النظر عن دوافعه ومهما كانت إنسانية بنظره، فحق الحياة وإن كان حقاً ممنوحاً إلا أنه مقيد كباقي الحقوق بواجب معين الا وهو المحافظة على هذه الحياة وعدم الاعتداء على حياة الآخرين.
موقف الشريعة الاسلامية من القتل الرحيم
ان الشريعة الإسلامية في هذا الموقف تنطلق من مفهوم راسخ إلا وهو أن الحياة هبة من الله عز وجل وأن الإنسان مستخلف فيها أي أن الإنسان لا يمكنه إنهاء حياته ولا يمكنه التصرف في حياة شخص آخر، وبالتالي حرم الله عز وجل الإنتحار وحرم القتل تحت أي مبرر وأي دافع واجازه في حدود معينة لا يندرج معه مبرر القتل الرحيم
فأكدت الشريعة الإسلامية على قدسية حق الحياة وتحريم انهائها إلا في حدود ما أذن به الشرع
كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ (الإسراء: 33)
إضافة إلى ذلك، يعتبر القتل الرحيم مخالفا لمقاصد الشريعة الإسلامية التي تهدف إلى حفظ الضروريات الخمس: الدين، النفس، العقل، النسل، والمال. ومن هذه الضروريات تأتي حفظ النفس، ولهذا جعلت الشريعة القصاص عقوبة القتل العمد، وأقامت نظاماً متكاملًا لحماية الأرواح.
موقف المشرع العراقي من القتل الرحيم
يأخذ المشرع العراقي موقفاً حاسماً تجاه القتل الرحيم ويعده جريمة قتل كاملة الأركان لا يخفف من شدة عقوبتها ظرف مخف (المبرر الانساني)، فان المشرع لم يعتبر القتل تحته مبرر الرحمة أو الرأفة ظرفاً مخففاً يخفف من عقوبة الجريمة بل على العكس من ذلك، إذا تندرج جريمة القتل الرحيم تحت نص الفقرة ١/أ من المادة ٤٠٦ من قانون العقوبات العراقي التي تقرر أن الإعدام هو عقوبة جريمة القتل العمد مع سبق الاصرار، وبذلك فإن جريمة القتل الرحيم سواء تمت بإرادة المريض أو من قبل الطبيب أو ذوي المريض فإنها تندرج تحت نص هذه المادة.
ويتضح أيضا أن المبادئ الدستورية ترفض بشكل واضح وصارم القتل الرحيم وتجرمه حيث تنص المادة ١٥ من الدستور العراقي لسنة ٢٠٠٥ انه لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية ولايجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون وبناءً على قرار قضائي
مواقف دول اخرى من القتل الرحيم
هنالك بعض الدول التي لم تأخذ بنفس موقف الشريعة الإسلامية والقانون العراقي بتجريم القتل الرحيم، بل اباحت هذا الفعل ولكن بشروط معينة، ومن هذه القوانين القانون الهولندي وكذلك القانون البلجيكي
في القانون الهولندي لعام ٢٠٠٢ هو أول قانون يبيح القتل الرحيم اذا كان المريض يعاني من معاناة لا تُحتمل و بشرط موافقته بشكل صريح وبأشراف طبي
وأيضا اتبع القانون البلجيكي اتجاه شبيه باتجاه القانون الهولندي وأباح أيضا للأطفال إذا كانوا بوعي كامل ويعانون من مرض ميؤوس منه.
وهناك من الدول التي لم تأخذ بكلا الاتجاهين السابقين، فإن بعض الدول مثل فرنسا وإسبانيا رغم أنها لا تعلن الإباحة الكاملة للقتل الرحيم لكنها تميل إلى تخفيف العقوبة إذا ثبت إن القتل كان بدافع الرحمة وتحت ظروف استثنائية.
تم النشر بتاريخ 4 سبتمبر 2025 يوم الخميس الساعة 5:00 مساءً.

.png)