مدونة الأحكام الشرعية … بين الحقيقة والمبالغة الإعلامية دراسة مقارنة بين قانون الأحوال الشخصية ومدونة الأحكام الشرعية

بقلم: مريم حسين رسول 

إن إصدار التعديل رقم (1) لسنة (2025) الخاص بقانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة (1959) استلزم إصدار مدونة أحكام شرعية من قبل المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي تنظم أمور الأحوال الشخصية بموجب المذهب الشيعي الجعفري. إذ نص التعديل المذكور وبموجب المادة (1) منه إضافة فقرة ثالثة للمادة (2) من قانون الأحوال الشخصية والتي كانت قبل التعديل تتكون من فقرتين فقط، سمحت الفقرة المضافة للمسلمين العراقيين اختيار تطبيق أحكام المذهب الشيعي على أحوالهم الشخصية. فتماشياً مع هذه الفقرة نص التعديل كما ذكرنا على إصدار مدونة أحكام شرعية يتم تطبيقها في حال اختيار الشخص لتطبيق المذهب الشيعي على أحواله الشخصية وقد تم بالفعل إصدار تلك المدونة بخمسة أبواب متضمنة (337) مادة مفصلة للزواج والطلاق والوصية والميراث.

وأدى إصدار تلك المدونة إلى إثارة الكثير من الجدل حول تقليل هذه الأخيرة للحقوق الممنوحة بموجب قانون الأحوال الشخصية.

لذا أثرنا المقارنة بين الأحكام الواردة في المدونة والأحكام الواردة في قانون الأحوال الشخصية وتسليط الضوء على الفروقات الأساسية بينهما.

أولاً: الزواج وأركانه وشروطه

لقد جاء كل من قانون الأحوال الشخصية والمدونة بتعريف متماثل للزواج، إذ ان كليهما اعتبر الزواج عقد بين رجل وامرأة بموجبه يتم إنشاء حياة زوجية.

كما لا يوجد اختلاف فيما يتعلق باركان عقد الزواج وما يتعلق بالنساء المحرمات بين المدونة وبين قانون الأحوال الشخصية. كما وسمح كل منهما إدراج شروط في العقد على أن تكون تلك الشروط غير مخالفة للشريعة والقانون، إلا إنهما اختلف في جزاء المترتب على الإخلال بشرط الصحيح المتضمن في العقد ، فكان الجزاء بالنسبة لقانون الأحوال الشخصية يتمثل بإعطاء الزوجة الحق في طلب الفسخ المادة (6) فقرة (4) من القانون المذكور اما المدونة فلم تسمح بالفسخ بل اعتبرت الزوج آثمً عند إخلاله بالشرط أي جعلت من الالتزام التزاماً إخلاقياً في بعض الأحيان مع الإبقاء على حقها في المطالبة بالتعويض وسمحت للزوجة اللجوء للقضاء في أحيان أخرى على أن يتخذ هذا الأخير الأجراء المناسب دون توقيع الفسخ المواد (6،7،9،10) من المدونة .

ثانياً: سن الزواج والولاية في الزواج

لقد حدد قانون الأحوال الشخصية سن الزواج في المادة السابعة منه حيث نصت على اشتراط إتمام الشخص سن الرشد الثمانية عشر عام ليكون أهلاً للزواج وإجازة في المادة الثامنة بالسماح لمن أتم الخامسة عشر الزواج بإذن القاضي وإجازة من وليه أو بدون هذه الأخيرة إذا رأى القاضي أن الولي متعسف في استعمال حقه بالإجازة. أما مدونة الأحكام الشرعية فلم تحدد سن معين للزواج واكتفت بالإشارة إلى وجوب البلوغ. وفي واقع الأمر فقد أوجب التعديل رقم واحد لسنة 2025 على حظر النص في المدونة على سن للزواج يقل عن السن المذكور في قانون الأحوال الشخصية المادة واحد فقرة (و) أولاً ، وعليه فإن السائد بين الناس في اعتبار أن المدونة قد سمحت بزواج القاصرات هو اعتقاد خاطئ وغير مبني على أساس قانوني .

هذا فيما يتعلق بسن الزواج اما الولاية في الزواج فكما ذكرنا اعلاه أن قانون الأحوال الشخصية اشترط موافقة الولي بالنسبة لمن أتم الخامسة عشر المادة الثامنة، اما كاملي الأهلية فلا ولاية لأحد في تزويجهم. أم المدونة فقد جعلت من الولاية في التزويج للاب أو الجد لاب وتكون فقط في حال كون المراد تزويجهم قاصرين أو في حال كون الفتاة بالغة ولكنها بكر، أما ما خلى ذلك فلا ولاية في التزويج المواد (12،13) . كما ونص ت المدونة على إسقاط الولاية على الفتاة الراشدة البكر في حالات تعسف الولي استعمال حقه أو حالات فقدان الولي أو نقصان أهليته المادة (15) .

ثالثاً: المهر وحقوق الزوجية

لقد وضعت المدونة في المادة (46) تعريفاً للمهر حيث عرفته بأنه ما تستحقه المرأة عند الزواج على عكس قانون الأحوال الشخصية وهذا أمر طبيعي، إذ ان القوانين عادة لا تتضمن تعريفات. وتعد تقريبا جميع الأحكام المتعلقة بالمهر متماثله في قانون الأحوال والمدونة.

أما ما يتعلق بحقوق الزوجية فقد نص كل من قانون الأحوال الشخصية على مجموعة من الحقوق في مواد متعددة منه، وكذلك الحال بالنسبة للمدونة. وتعد هذه الحقوق في مضمونها ذات مبدأ واحد وإن كانت مختلفة في بعض التفاصيل.

رابعاً: الطلاق والتفريق القضائي

فيما يتعلق بالطلاق فتعد الأحكام متطابقة تقريبا من حيث من يملك حق الطلاق والتفويض بالطلاق ووقوع الطلاق من عدمه وإلى آخره من الأمور المتعلقة بالطلاق. أما التفريق فقد اختلفت أحكامه بين قانون الأحوال الشخصية والمدونة، فبينما نص قانون الأحوال الشخصية على عدة أسباب للتفريق في المادتين (40،43) والتي كان منها الحبس، الهجر، الاعتلال، العقم، عدم الإنفاق، الخيانة وجعل سلطة التحقق من ثبوت هذه الأسباب للمحكمة كما أجازت للمحكمة عند التثبت من تحقق أحد الأسباب تعيين حكمين لمحاولة الإصلاح بينهما، سعياً لتراجع عن قرار التفريق ومنع هدم الأسرة المادة (41).

أما المدونة فقد جاءت بأسباب اقل مشابهة، إذ سمحت في المادة (60) طلب فسخ العقد في حالة إصابة الزوج أو الزوجة بأمراض عددتها المادة المذكورة أعلاه ومنعت اعتبار العقم سبباً للفسخ المادة (61) من المدونة. كما نصت في المواد (70 ،71 ،72) على حالات للتفريق متمثلة بعدم الإنفاق، الهجر والإيذاء،

ولكنها اشترطت لإيقاع التفريق موافقة المرجع الأعلى وفقاً للمادة (73) فقرة (ب) ولم تترك الأمر لتقدير السلطة القضائية فقط كما فعل قانون الأحوال الشخصية، وقد اعتبرت المادة المذكورة حالات التفريق هذه حالات حصرية وما خلاها من الحالات لا يمكن مطالبة التفريق فيها ويتم اللجوء إلى الخلع.

خامساً: النسب وحضانة الطفل

لا يوجد اختلافات جذرية فيما يتعلق بإثبات النسب بين قانون الأحوال الشخصية والمدونة، إذ إن كليهما يشترط لإثبات النسب وجود علاقة زوجية ومرور أقل مدة للحمل المواد (51) من قانون الأحوال و(75) من المدونة. إلا أن الاختلاف يكمن في مسألة الحضانة، إذ جعل قانون الأحوال الشخصية الحضانة للام حتى اتمام الطفل سن العاشرة من عمره، مع إمكانية تمديدها إلى سن الخامسة عشر إذا رأت السلطة القضائية مصلحة للمحضون في ذلك المادة (57) فقرة (4)، كما واعتبرت الأم أحق في الحضانة حتى وان تزوجت الفقرة (2) من ذات المادة.

اما المدونة فأعطت للأم الحق في الحضانة حتى إتمام المحضون سن السابعة ثم تنتقل الحضانة إلى الأب المادة (81) . كما وأسقطت المدونة في المادة (83) الحضانة عن الأم في حالة زواجها حتى وإن لم يتم المحضون السابعة.

 عند التأمل في هذه المواد نجد أن المدونة قد جعلت الانتقال من حضانة الأم إلى حضانة الأب بدون رقابة من السلطة قضائية فبمجرد إتمام السابعة تعتبر الحضانة منتقلة، وأيضا ملاحظ أن المدونة قد أسقطت الحضانة عن الأم إذا تزوجت حتى وإن كان المحضون أقل من سبعة سنوات. الا ان هذه المواد تعد محكومة بما جاء في المادة الأولى من التعديل رقم (1) لسنة (2025) في الفقرة (و) ثانياً منه، حيث حضرت إضافة نص في المدونة من شأنه تحديد حضانة الأم بأقل من سبعة سنوات، وهذا يعني عدم إمكانية انتزاع الحضانة من الأم ما دام الطفل لم يتم السابعة. وفيما يتعلق بالانتقال المباشر المادة 81 فهي أيضا محكومة بمادة التعديل المذكورة أعلاه، إذ نصت أيضا هذه المادة على عدم الاتيان بأي عمل من شأنه الإضرار بمصلحة، الصغير والانتقال المفاجئ دون التأكد من ملائمة الأجواء للمحضون وهو في سن السابعة يعد فيه اضرار لهذا الأخير.

سادساً: الوصية والميراث

تعد أغلب أحكام الوصية متماثله بين المدونة والقانون من حيث الشروط ومقدار الوصية المتمثلة بالثلث وإلى أخره من الأحكام ،إلا أنهما اختلافا فيما يتعلق بما يدعى بوصية الواجبة المذكورة في المادة (74) من قانون الأحوال الشخصية التي تمنح للأحفاد الحق في تركة جدهم حتى وان كان ابوهم ميتا قبل جدهم واعتبار الأب حي حكما لكي يستطيع الأولاد المشاركة في تركة جدهم بما يتفق مع مقدار نصيب ابوهم، وهذا النوع من الوصية يثبت للأحفاد من تركة الجد وإن لم يقوم الأخير بكتابه وصية أصلاً ، ولا يوجد نظير لهذا النوع من الوصية في المدونة .

أما بخصوص الإرث فهناك أحكام مختلفة بين المدونة والقانون، فقانون الأحوال الشخصية نصه في المادة (91) فقرة (1) على أن الزوجة تستحق الربع من تركت زوجها إن لم يكن له ولد والثمن إن كان له ولد، وذكرت من تركة الزوج أي لم تحدد مال من أموال التركة، بل شملت التركة بأكملها، على عكس المدونة التي نصت في المادة (314) على أن الزوجة ترث من تركة زوجها الأموال المنقولة فقط دون العقارية، وهذا التحديد لأموال لم يذكر في قانون الأحوال الشخصية.

كما ومن المذكور في المدونة والذي لا يعد له نظيرً في القانون هو فكرة أن الزوجة إذا لم يكن لها وارث سوى زوجها فيأخذ النصف ويرد عليه الباقي رداً، أما الزوج الذي ليس له وارث سوى زوجته فيكون لها الربع ولا يرد عليها الباقي المادة (308) من المدونة.

وختاماً، يجب أن نشير إلى أن الفقرة المضافة على قانون الأحوال الشخصية بموجب التعديل هي في الاساس اختيارية حيث نصت أن (للمسلم العراقي أو للمسلمة العراقية) أي أنهم مخيرون بين تطبيق أحكام المدونة على أحوالهم الشخصية أو تطبيق قانون الأحوال الشخصية ولا يوجد أي إجبار في تطبيق المدونة وفق هذا التعديل.


أحدث أقدم