First header image Second header image

المسؤولية المدنية عن مضار ابراج الاتصالات

بقلم: هيا وثّاب 

شهدت السنوات الأخيرة توسعًا ملحوظًا في نصب أبراج الاتصالات داخل المدن والمناطق السكنية، نتيجة الحاجة المتزايدة لخدمات الهاتف والإنترنت. ورغم أهمية هذه الأبراج في تطوير البنية التكنولوجية، إلا أن وجودها قرب المنازل أثار مخاوف لدى بعض السكان، خاصة ما يتعلق بالآثار الصحية المحتملة أو التأثير البصري والبيئي.

من الناحية القانونية، تُطرح مسألة مهمة: هل يمكن مساءلة شركات الاتصالات عن أي ضرر يدّعيه الأفراد نتيجة وجود برج قريب من سكنهم.

ويُعد القانون المدني العراقي الإطار الأهم لتحديد هذه المسؤولية، خصوصًا ما ورد في المواد 202211المتعلقة بالفعل الضار.

وفقًا للمادة (202) مدني عراقي، يلتزم من يسبب ضررًا غير مشروع بتعويض المتضرر. وهذا يعني أن شركة الاتصالات تُسأل إذا توافرت ثلاثة أركان:

الخطأ الضرر العلاقة السببية.

أولًا: الخطأ

يتحقق الخطأ إذا قامت الشركة بنصب البرج دون مراعاة:

       الشروط الفنية المقررة،

       أو التعليمات الخاصة بارتفاع الأبراج،

       أو المسافات المسموح بها من المساكن،

       أو دون استحصال التراخيص اللازمة.

ويُعتبر هذا مخالفة لواجب الحيطة والحذر، مما يشكل خطأ يستوجب التعويض وفقًا للمادة (204) مدني.

ثانيًا: الضرر

الضرر قد يكون:

       ماديًا: مثل أذى صحي مثبت، أو تضرر ممتلكات نتيجة سوء التثبيت.

       معنويًا: كالخوف الدائم أو التوتر الناجم عن قرب البرج بشكل يمسّ راحة السكن.

القانون العراقي يعترف بالضرر المعنوي (المادة 205/2)، لذلك يمكن المطالبة به عند توافر أسبابه.

ثالثًا: العلاقة السببيه

هذه هي الإشكالية الأهم في موضوع أبراج الاتصالات.

إثبات أن ضررًا صحيًا مثل الصداع، القلق، أو أعراض معينة سببه الإشعاعات الصادرة من البرج يحتاج إلى رأي طبي أو فني معتمد.

وإذا لم يثبت ذلك بشكل علمي، غالبًا يميل القضاء إلى رفض الدعوى

وهنا على المحكمة أن تستعين بأهل الخبرة من المختصين بالأشعة الكهرومغناطيسية الصادرة عن البرج وكثافتها لتحديد الموقف القانوني على أساس تقريرهم. فإن كانت نتيجة تقرير خبرتهم أن الأشعة الصادرة من البرج تسبب ضرراً صحيحاً أو محتملاً، تعين على المحكمة أن تحكم بإزالة البرج، أو إلزام شركة الاتصالات باتخاذ الاحتياطات الفنية اللازمة لتلافي هذا الضرر، كما في حالة إلزام شركة الاتصالات بوضع أجهزة تحد من انبعاث الأشعة الكهرومغناطيسية من أبراج الاتصالات الموجودة في المناطق السكنية. وقد تلزم المحكمة شركة الاتصالات بإيقاف عمل البرج مؤقتاً لحين وضع الأجهزة المذكورة ومنع وقوع الضرر، مع الحكم بتعويض المدعي عن الضرر الذي أصابه.

والالتزام بالتعويض كونه جزاء الضرر الذي لحق بالمضرور، يفرضه القانون على كل من سبب بخطئه (الثابت أو المفترض) ضرراً للغير، بجبر الضرر الذي لحق المصاب. ولذا فإن أطراف الالتزام بالتعويض هما المسؤول عن الفعل الضار وهي في حالتنا شركة الاتصالات) والدائن(المضرور

أن من يطالب بالتعويض - الدائن - قد يكون المضرور ذاته، أو من يقوم مقامه من ولي أو نائب قانوني أو اتفاقي، أو شخص آخر لحقه ضرر نتيجة إصابة المضرور الأصلي بالضرر.

خلاصة القول: القانون المدني العراقي يمنح إطارًا قانونيًا واضحًا لحماية الأفراد المتضرّرين من أضرار الأبراج، سواء عبر مسؤولية تقصيرية أو مسؤولية ذات طبيعة خطِرة. ويقع على عاتق الجهات القضائية والتنظيمية تحقيق التوازن بين حاجة المجتمع لتطوير البنية التحتية للاتصالات وبين حق الأفراد بالحماية والبيئة الآمنة.

تم نشره بتاريخ 1/ديسمبر/2025 المصادف يوم الاثنين في الساعة 5:00 مساءً


أحدث أقدم