First header image Second header image

حكومة تصريف الاعمال CARETAKER GOVERNMENT



يعد مصطلح "حكومة تصريف الاعمال" من المواضيع البارزة والمعقدة في الساحة السياسية والدستورية، لكونه يتعلق بصميم عمل الحكومات ويمس صلاحياتها ويقيدها في المنظومة السياسية لبقية فترة ولايتها.

سنبين في مقالنا ماهي حكومة تصريف الاعمال وما هو اساسها الدستوري ومتى تتحول الى "حكومة تصريف                                                                       اعمال" بالإضافة الى صلاحياتها.  

تُعرف حكومة تصريف الاعمال ب " حكومة مقيدة الصلاحيات، غير مفوضة دستورياً 

وبرلمانياً بالولاية الوظيفية الوزارية الكاملة، نتيجة لاستقالتها او لسحب الثقة منها او انتهاء ولايتها بعد فترة الانتخابات، وتلتزم هذه الحكومة بعدم اتخاذها أي قرار سياسي سيادي او قرارات كبرى مهمة ذات طبيعية دولية او وطنية لحين تشكيل حكومة جديدة لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة للبلد"

يتضح مما تقدم، ان حكومة تصريف الاعمال اليومية هي حكومة مؤقتة محددة الصلاحية، نتيجة لأسباب دستورية تلتزم بعدم اتخاذها لأي قرار مالي او سياسي او اقتصادي كبير يغير من مراكز قانونية او يضيف مركز قانوني او يلغيه، الى حين تشكيل حكومة جديدة تُمنح لها الولاية الدستورية الكاملة لممارسة كافة صلاحيتها.

ولكن ما هو الأساس الدستوري لهذا النوع من الحكومة؟

نص دستور جمهورية العراق لسنة (2005) في المادة (64/ثانيا) منه بشكل غير مباشر الى حالة حل مجلس النواب كسبب من أسباب بنصها "في حال حلِّ مجلسِ النواب، تُعدّ الحكومةُ مستقيلةً، ويواصل رئيسُ مجلس الوزراء والوزراء تصريف الأمور اليومية، إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة"

وبذلك فان الدستور قد نص بشكل ضمني بعبارة "تصريف الأمور اليومية" الى تحول الحكومة الى تصريف الاعمال عندما يُحل مجلس النواب سواء بنفسه عن طريق طلب ثلث اعضاءه او عن طريق رئيس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية.

هنالك حالات أخرى تتحول فيها الحكومة الى تصريف اعمال يومية، سواء من نصوص الدستور او عن طريق اجتهادات المحكمة الاتحادية في تفسيره، وهي كالآتي:

 المادة (75/ثانياً) من الدستور بشأن شغور منصب رئيس الوزراء حيث اعتبرت المحكمة 

استقالة السيد عادل عبد المهدي رئيس الوزراء الأسبق سبب من أسباب تقييد حكومته واعتبارها حكومة لتصريف الاعمال اليومية لحين تشكيل حكومة جديدة.

وحالة المادة (61/ثامنا) من الدستور بشأن سحب الثقة من الحكومة جزءاً او كلاً من قبل مجلس النواب، عندئذ تصبح الحكومة مستقيلة حكماً وتقوم بتصريف الأمور اليومية لحين تشكيل الحكومة الجديدة. مثل حالة سحب الثقة من وزير المالية هوشيار زيباري ووزير الدفاع خالد العبيدي عام 2016 حيث شغل منصبه لتسيير الأمور الإدارية واليومية ثم جاءوا بنائب الوزير ليتولى عنهم المهام لحين تنصيب وزير جديد.

واخيراً، حالة انتهاء الدورة البرلمانية او الدورة التشريعية بعد الانتخابات وانتهاء تفويض الحكومة، اذ اكدت المحكمة الاتحادية ان انتهاء المدة الدستورية للحكومة تفقد بذلك صلاحياتها، وتصبح حكومة تصريف اعمال يومية لحين تشكيل الحكومة[1]  مثل حالة حكومة مصطفى الكاظمي في انتخابات 2021.

ما هي الاعمال اليومية والفاصل بينها وبين الاعمال الحكومية الكبرى؟

المقصود بالأعمال اليومية هي الاعمال التي تتعلق بالشؤون التنظيمية الإدارية لتسيير أمور الحكومة والدولة لفترة محددة، مثل عقد الاجتماعات اليومية ودفع الرواتب الدولة عدا رواتب إقليم كوردستان لأنها تعد من الاعمال السيادية في حالة عدم تنفيذ حكومة الإقليم التزاماتها كما في القرار الاتي ذكره بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، وكذلك متابعة سير المشاريع والتعامل مع الحالات الضرورية غير القابلة للتأجيل. اما الاعمال الحكومية العادية وغير المسموح لحكومة تصريف الاعمال القيام بها هي الاعمال التي تقوم بأنشاء مراكز قانونية او تغييرها او الغائها على الصعيدين الدولي والداخلي، مثل عقد الاتفاقيات الدولية الثنائية والشارعة والتعيينات الحكومية تشريع القوانين وتمريرها واجراء مشاريع استثمارية نفطية او غير نفطية وغيرها من الاعمال.

 اما سبب عتبار حكومة معينة حكومة تصريف اعمال يومية، فذلك يعود الى ان هذه الحكومة قد فقدت شرعيتها الدستورية وانتهت ولايتها القانونية، وبالتالي لا يحق لها اتخاذ أي قرار حكومي يمس بعدم الشرعية الدستورية والقانونية سوى تسيير الأمور اليومية، ليس لأنها حكومة مشروعة بل للحفاظ على مبدأ استقرار المعاملات ولعدم قدرة مجلس النواب من المراقبة على اعمالها، بالإضافة الى تسيير المصلحة العامة للبلد الى حين تشكيل حكومة جديدة تمتاز بالشرعية الدستورية والقانونية.

واخيراً، نأتي لبيان مجموعة من قرارات المحكمة الاتحادية في اعتبار اعمال ما ضمن الاعمال الحكومية الكبرى المهمة التي لا يجوز لحكومة تصريف الاعمال ممارستها، وهو قرار المحكمة التي ألغت قرارات مثل 194 و226 و257 و335 و401 لسنة 2021 وقرار (8) لسنة (2022) اثناء حكومة مصطفى الكاظمي وهي قرارات اتخذها مجلس الوزراء للإيعاز لوزارة المالية لصرف مبالغ تمويل رواتب ومستحقات موظفي اقليم كردستان بصورة مخالفة للمادة (62/ثانيا) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 والمادة (12) من قانون الادارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة (2019) اذ اعتبرته المحكمة الاتحادية من القرارت ذات الدوافع السياسية الكبيرة التي تؤثر مستقبلا بصورة سلبية من الناحية السياسية والاقتصادية على الدولة. وكذلك قامت المحكمة بإبطال تعليمات تشكيلات الأمانة العامة لمجلس الوزراء ومهماتها (تعليمات رقم 2 لسنة 2022)[2] الصادرة أثناء فترة تصريف الأعمال لحكومة مصطفى الكاظمي معتبرة ان هذه الاعمال تقع ضمن صلاحيات الحكومة العادية التي تقوم باتخاذ قرارات كبرى مثل هذا النوع من القرارات وليس حكومة تصريف الاعمال المؤقتة.[3]

وختاماً، على الرغم من عدم نص الدستور على عقوبات صريحة ومباشرة تترتب على مخالفة الحكومة لأعمالها اليومية، لكن مجلس النواب القادم بعدها يستطيع ان يسائل الحكومة عما فعلته من تجاوزات على الدستور، بالإضافة الى وجود المحكمة الاتحادية التي تقوم بمراقبة عمل الحكومات وفقاً للدستور ضماناً لعدم مخالفته اذا تقوم بإلغاء القوانين والاعمال المخالفة للدستور وتفسير نصوصه لضمان تطبيقه بالصورة الصحيحة، وخير اثرٍ هو ابطال هذه القرارات واعتبارها عديمة الأثر، وكان الاجدر  بالمشرع الدستوري النص على عقوبات سياسية لتجاوزها على الاعمال اليومية مثل منع الوزير المتجاوز من مزاولة عمله في الوزارة لمدة معينة، او بطلان قرارات الحكومة المتجاوزة بطلاناً تلقائيا دون حكم قضائي او منع تنفيذ العقود المهمة الاستراتيجية تلقائياً دون حاجة لقرار اداري او حكم قضائي يقضي ببطلانها وغيرها من العقوبات الرادعة.


[1] دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ومفهوم القياس للمادة 64 ثانيا

[2] قرار المحكمة الاتحادية )235( / اتحادية 2023

[3] الرقابة على اختصاصات رئيس مجلس الوزراء في العراق، ا.م.د عكاب احمد محمد، جامعة كركوك، كلية القانون والعلوم السياسية، ص 17_20


أحدث أقدم